wwww.risalaty.net


الخشوع في الصلاة ...


بقلم : الدكتور عبد الرحمن العشماوي




‏قال لي:
‏أتدري من علَّمني الخشوع في صلاتي ‏ووقوفي أمام ربي سبحانه وتعالى، حتى أصبحت أتذوَّق لذة الصلاة، وأجد فيها الراحةَ ‏كلَّ الراحة من العناء؟ إنه رجلٌ نصرانيٌّ حضرت له محاضرةً خاصةً باللياقة ‏البدنيَّة ألقاها في النادي الرياضي الذي أعمل فيه.

‏قلت ‏له: ‏كيف حدث ذلك؟

‏قال: ‏استضاف النادي ‏الرياضي رجلاً رياضياً عريقاً من إحدى الدول الأوروبية متخصِّصاً في اللياقة ‏البدنية ووسائلها وعلاقتها بمخّ الإنسان ونفسه، وحضرت تلك المحاضرة شغوفاً بما ‏سأسمع من ذلك الرجل الشهير في مجاله من أساليب اللياقة البدنية ووسائلها، وكان كلّ ‏همِّي أن أستعين بما أسمع منه على تدارك ما بقي لي من لياقة بدنية قضيت على أكثرها - ‏مع الأسف - بما ألتهمه من وجباتنا وولائمنا الدَّسمة التي ما تزال ترى (المفطَّح) ‏رمزاً للجود والكرم.

‏حضرت تلك المحاضرة التي ‏كانت ناجحةً بما طرحته من معلومات مهمة في هذا المجال، ولكنَّ المعلومة الأهم هي ‏التي علَّمتني معنى الخشوع في صلاتي، هذا المعني الذي لا يكاد يدركه ويعيشه إلا ‏القليل من مليارنا المسلم الذي ما يزال معظمه بعيداً عن حقيقة ديننا العظيم.

‏قلت لصاحبي: ‏دعك من الاستطراد وحدّثني عن درس ‏الخشوع الذي تعلَّمته من النصراني.

‏قال: ‏تحدَّث ‏الرجل عن العلاقة بين أعضاء جسم الإنسان وبين المخ وما فيه من عجائب، وأشار إلى ‏أهمية اللياقة البدنية في حصول الاسترخاء الذهني، وأهمية استرخاء المخ في اللياقة ‏البدنية، وقال: إن هنالك طريقتين من طرق الحصول على الاسترخاء الذهني، والرَّاحة ‏النفسية الكاملة التي تجعل الإنسان حيوياً قادراً على الإبداع، والعطاء المتجدِّد ‏جسدياً وروحياً.

‏الطريقة الأولى ‏تبدأ من الجسم إلى ‏المخ، وهي طريقة (المساج) ‏وتمرين الأعضاء بأساليب متعارف ‏عليها عالمياً. فإن أعضاء الجسم إذا استخدمنا معها التمارين الطبيعية تخلصت من ‏التشنج، وأصبح جريان الدورة الدموية فيها هادئاً طبيعياً، وفي ذلك تأثير إيجابي على ‏المخ يجعل صاحبه يشعر بالراحة والاسترخاء.

‏أما الطريقة ‏الثانية - ‏وهي الأهم - فهي تبدأ من المخ إلى الجسم، ولا تتم إلا إذا استراح ‏مخ الإنسان وهدأت نفسه، وتحقق له التركيز الذهني الذي يريح ذهن الإنسان من التشتت ‏والاضطراب، ثم قال المحاضر: أتدرون ما أفضل وسيلة لتحقيق الطريقتين في آن واحد؟

‏إنها الصلاة عند المسلمين، بشرط أن يتحقق فيها الأداء الكامل لحركاتها ‏الجسدية، وتركيز الذهن الكامل الذي يسمى (الخشوع في ‏الصلاة(.

‏قال صاحبي: ‏هنا بدا الانبهار على ‏وجوهنا جميعاً نحن المسلمين، وبدا أثر إحساسنا بما نحن عليه من التفريط في هذه ‏الكنوز العظيمة التي يحتوي عليها ديننا العظيم، لقد أكد لنا المحاضر أن نموذج ‏الصلاة عند المسلمين هو الأنموذج الفريد الذي يحقق معنى الراحة النفسية الكاملة ‏التي تؤثر تأثيراً كبيراً في ذهن الإنسان وتفكيره وشعوره وراحته النفسية، وفي نشاطه ‏الجسدي ولياقته البدنية. هنا تذكرت معنى الراحة فيما ورد عن رسولنا صلى الله عليه ‏وسلم من قوله لبلال: (أرحنا بها) ‏أي بالصلاة، وتذكرت ما ‏كنَّا نتعلمه ونحن صغار من شروط الصلاة وواجباتها، وما كان يكرره المعلم على ‏مسامعنا من كلمة (الطمأنينة) ‏في الركوع والسجود.

‏بل تذكرت ذلك الرجل الإفريقي الذي صليت بجواره في الحرم المكي ذات يوم، ‏فرأيت من سجوده وركوعه وخشوعه واستمتاعه بالقراءة والتسبيح في صلاته ما بهرني حتى ‏اشفقت عليه من طول الوقت الذي قضاه في ركعتي تحية المسجد، وعلمت أنه كان في غاية ‏الراحة والمتعة ولذة العبادة. نعم يا صاحبي، لقد تعلَّّمت من ذلك المحاضر النصراني ‏معنى الخشوع في الصلاة، وما زلت أدعو له أن يمنَّ الله عليه باعتناق ‏الإسلام.