wwww.risalaty.net


الشتاء ... آهات و لوعات


بقلم : نور محمد فتحي السرايجي و بتول العاشق الملقّب بعرب

 

الشتاء.....
 
تموج في ضروب من حياة لا تهدأ فيها الجفون..
 
تخوض  ركب دنيا لا تفتر فيها العيون..
 
نعم فصول بشهور ...تمتزج فيها الأيام فتتعانق الدّقائق بالثواني ،وتختلج مع بعضها البعض لتشكّل مايسمّى بالسّاعات التي ماتلبث أن تطرقَ باب فؤاد قد تعطّشَ لذرّتين من هيدروجين الحياةمع أكسجين العشقو الهيام ، وافتقاد ارتواء أرض قد باتت مقفرة من شدة القحط الذي يعتورها من أيّ مكان ..
آه ماتلك الحرور التي باتت مسيطرة على الدّنى ..
قد حاكت شخوصها و جماداتها..
قد بثّت جفافها وشدّة عوزها...
قد باتت تستنجد بكلّ من يصرخ ، يلوذ بمن يغدق عليه بفيض من سرّ عطاء ..
أراد الوسطيّة حِرزاً له ..والرّماديّة سفراً عنه..
وإذ بحبل النّجاة قد وجد بالتّدثر بمعطفِ بردٍ ..هو اللّغز و السرّ والحبّ و القرب ..
سرادقات مظلمة و معزوفات دافئة و إيقاعات هادئة ..
تكتنفنا ...تحيط بنا ...تحتوينا .. تراقبنا ...تجول معنا...
زماننا قدعاب على من قبله فوقع في السريّة تلك التي يغيب فيها كلّ بليّة..
لاحتْ فيه الأقنعة التي لا مبرّرَ من استخدامها غير أقاويل الكذب و ادّعاءات الشغب..
...............
تمثُّل القوالب هوماينبغي أن تتوجّه إليه القلوب كلّها بجميع أشكالها ونعوتها..
 
وكم من مرّةٍ عندما كنتَ صغيراً قد حكتْ لك جدّتك أقصوصة الدفءوالحياة
 
عندما احتضنتك بحنانها وفاضت عليك من حبّها ...وجعلتِ المدفأة تغدق على الكلام بعضاً من جوّها علّها تصل بك إلى درجة لم تفق به خيال جعبة الحكايات ...
 
وتسوق إليك بعضاً منك....
فتفوق بذاك أنت بأنت ...
 
    فتغرق في بحور الودّ و الفرح و الدّفء ..
أتذكر عندما كانت الابتسامة تملأ محيّاك فتخاطب روحك و تحضن قلبك و تداعب فكرك..
واه ٍ على جلسة سمر تسترقها في جعبة الليل تكون قد قضيتها مع حبيب يفهمك ...تناجيه فيردّ عليك ...لا يبتعد وهو قريب منك ...
 
وهاقد كبرتَ و اعتلاكالشّيب ومازج قلبك الهمّ ...فبتّ تلجأ إلى ليالي الشّتاء فتتدثّر من بردها علّها تبثّ على نفسك روح الورد ..وتسدّ مسامّ القهر و الحزن...
 
تقبع في مربعات حياة ملؤها الخطوط و المستقيمات وأنت تريد أن تغدوَ كلمتك مطابقة لأبعاد المربع وطوله و عرضه لا تتجاوزه ...تودّ أن تطير و تهجر سرداباً سئمتَ المكوثَ فيه ..
أغلقِ الأبواب ...شدَّ النوافذ ...
أطفئ الأضواء ..
 
الآن عليك بالظلام فهو المرام لمن في قلبه الهموم ...
يامن أثارتك الشجون ...وسرت في حدودك أطيافٌ شتّى من ضروب الجنون ..
هاكِ نفحة روح تتدفّق فتثير فيك نبضاً أنت جاهله ..
 
أو تسألك عن سرّ تدفّق ٍ أنت فاعله ..
يامن ادّعتك العبارة ...وعزفت على وجدانك القيثارة ...
كفاك هما ً فهم ليسوا لك..في هذه السويداء الحالكة ...
نعم إنها الومضة البعيدة المرتقبة ...المجهولة المنتظرة ..
فجأة وبينما كنت في خضمّ هذه الأشياء إذ بشيء يسري ..
تساءلتُ عن ماهيته وعن قوّة فعله؟؟
فأجابني : بتدفق من الأسرار الكئيبة.. جال في أناح غريبة...
حتى خُيِّل إليّ بأنّ اللّغز قدبات يريد أن يُحلّ   بعدأن صاحب
المضمون كل ذلك الملل..
سعى هذه المرة بأسرع من المرّة السابقة ؛ كان ذلك مذاقاً قريباً بالعلقم ..
قد جُرِّد من أيّ بلسم ..
دبّ فيّ الشعور باللا شعور... والحياة باللاحياة ..
أغمضت عينيّ فجالت فيّ الحياة أكثر فأكثر ..
 حتى باتوا كلهم في الصميم في عمق الضمير مع محاكاة الإحساس وبوح الناس، بلغة مشفّرة لا يدرك كنهها إلا مدرك...ذاك الذي يجيد الاختراق ويحسن الملاذ إلى الحيثية بل ويجيد المواءمة و كلّ العقليّة ...
سرى فحرّك الذكريات ...واجتلب الماضويّات ...
أتى بهم إلى هنا ...إلى حيث لا مكان هنا ..
أوقد لهم نار الدّاخل وشمعة الواجد وقنديل الوافد ومصباح الآسر وقمر المحيّى ..
 
.............
سئمتُ تعبتُ ضجرت ....
       كبرتُ هرمت شخت...
أرهقت أتلفت أعييت ...
أفعال ٌ ماضويّةٌ بريئة من تهم القيام بالفعل الآن ؛ لأنّها دلّت على أحداث ماضوية بيد أنها لا تنفكّ عن ملازمة الأرق و الألم ..
اترك مابك ياأيّها الحالك!!
مابالك ياأيتها المضيئة ؟؟
أين أنت أيّها المتلقّي ؟؟
ليل ، نجوم، قمر ............
أكتفيت بلغة الأجرام أم أنك حبيسة بمن يتمثلك ؟
أمّا أنت أيّها البريء فأنا أحاكمك بأشد عقوبة ..عقوبة الإبادة والافتقاد وعدم الوجود..
لأنك تلتجئ بالهروب ،وتدّعي المثول ،وأنت من ذلك بعيد ..
على الرّغم من قربك و ملابستك لنا وملابستنا لك في أوقات تدوم لساعات تطرق الأفئدة ،وتعتلج الأدمغة ...
ويحك كُفَّ ...أمازلت تماري ،وتبلغ أوجك مع صدقك الهادي ..
الذي يكتفي بذاك الإسراء الذي يداعب نفساً أبت إلا أن تكون قويّة ،أو يحاكي قلم يدٍ آلت إلا أن تكون صريحة ،هو من كان  من بين أربع :
له سمت الوقار ولدغ الكبار وصعق الكلام و حلم الشآم...
يامن قدوته تعني الحنين ،ووجوده هو التروي و الهدوء ..
بصرتُ إليك و إذ بك تكتنف كلَّ من ارتأى أن يرنوَ ببصره إليك ..
وبعقله إلى برديك ..
وبقلبه إلى التماس دفئك ..وبكلّه إليك ...
لأنّ بك السرّ و السرّ منك ، والضدّ يتجلّى فيك ...
 
فكيف ذاك؟
والتمايز حليف الأبيض و الأسود ..
و الظهور دائماً بين نعم ولا ..
والاندثار عبقي أمام بعضك...
ذاك الذي يشدو بأغنية تحمل أمنية ..
يجود بجواهرَ رقراقة ذات مبانٍ برّاقة ومعان وضّاءة
ماإن تسكب حتى تزيح سواد أيّام ..وسواد بشر ..وسواد أشياء ..وسواد السّواد.
تهطل تلك الأمطار وهي محمّلة بالخير و الفائدة ..
تأتي لتزيح ..تهب لتعطي ..
كلٌّ منا يتمثّلها بالطّريقة التي يريد ؛ ذاك معها وتلك ليست ، أما أنا فأريدها لأجلها فقط و أجتلبها لها فقط ...
لتقصّ عليّ قصة متعب،وجمال لوعة منهك ...
وروعة منقذٍ من الغرق ..
وناجٍ من بحور الأرق ...
يخطو الخطوة فيحاكي من جُرِّد من الإنسان ..
برغم علاقته معه ...وبثّ له روح الحياة ..
رسوم الليل تبدي خلاف الظاهر فهي تجعل السواد يعتلي الجدران لتصوير خيالات أجسام تبدي بانعكاسها تصاوير الأجساد.
 
وعادة يقولون الأجسام في المرآة تبدو أكبر من الواقع ...فمابالك وأنت في مرآة الظلام تلك التي تلوح بها الأشياء بخلاف الواقع ..
فتتراءى و أنت في قمة البحث عن مفقود في خضم أحداث العتمة تلك التي تتبدّى معلنة أن هناك جللاً ما ,
وضمن ليالي الشتاء اعتلاك رداء الذكرى ذاك الذي ماينفك يلازمنا ..
حتى يحدث خرقاً ماتلبث مسامه أن تتسع شيئاً فشيئاً ،فتحدث الفجوة تلك التي تحتاج إلى إنسيّ يستطيع أن يحرز النّصيب في وضع النقط على الحروف وترجمة بعض ماهومن المفروض أن يكون من المألوف ..
واهٍ على أيام خلت كنا لا نشعر فيها إلا بقشعريرة برد فقط خلت من أي مظهر من مظاهره ..
 
 
أما الآن وبعد أن ضاق الألم بنا و اعتصرنا الحزن واكتنفنا الموت من كلّ مكان لم تعد تذكرنا ذرات البرودة هذه إلا بآلام أناس لا يجدون لا الأمن ولا الملاذ ..كيف ؟؟ولمَ ؟؟ وإلى أين ؟؟
لا ندري ولانعلم ولا نعرف !!!
تاهت الطرق وسدّت الأبواب وتبعثرتِ الأقلام و اختلطتِ الألوان فسادَ الرّماديّ ذاك الذي يحتضن الغبار و الرّماد ..
فلا الأبيض انفتح ولاالأسود احتلك..
       فتجالس قلبك منصتاً لعقلك ..مستأنساً بفؤادك وهو يملي عليك دروساً لم تستطع أن تطبّقها علماً أنك قد وعيتها تماماً ..
أتذكّر تماماً كيف أنني عندما كنت أخرج من أمسيّة ثقافيّة ما ،أشدو إلى أن أعانق نسيج برد قد باح عليّ بسرّه فأنتشي طرباً وأنا أعتنق القمر حِرزاً لي ..
فأعود لأنام قليلاً وماتلبث أن تدقّ نسمات البرد القارصة دقّاتها معلنةً قدوم وقت اللّقاء ،والغرق بفيض الهيام ..فيفارقني النوم على عجال ..
ويلوح أمامي الأرق وناموس الشوق يفعل فعله ليحاكي قطرات ماءٍ باردة
فيمتزج الدفء و البرد معاً، فأهيم على وجهي وكلّي رجاء بألا يراني أحد فأختلس خلسة من طيّات الظلام ،وآخذ قيثارتي لأفرشها على الأرض وأعطّرها وأعرج بها فهي المعبر الذي سيقيلني إلى مرادي ويغدق عليّ من سرادقات القرب والأسرار ..
كيف ذلك وهي سجّادتي التي ستكون الواسطة بيني وبين حبيبي ..
لكن وفجأة أتذكر وقع خطوات بائعة الكبريت لآخذ منها ثقاباً فأشعل مدفأتي لتكسو على الجوّ مزيجاً من اللّوعة و الأمان..
فأستقبل قبلتي بأروع الكلام وأناجي ربي بشتى فنون الخضوع و الرّجاء و الدعاء ..
قأبثّ أحزاني و أعبّر عن فرحتي و لوعة وجداني ..
هذا هو الشتاء وهذه هي آثاره و تداعياته ...
أرأيتم مايمليه على الأنفس ؟؟
وما يثيره في الأرواح ؟؟؟
ومايحركه في العقول ؟؟
فترة زمنية تجول فيه أقنعة ماتلبث أن تدقّ باب إنسان حتى تكتنف جوارحه فيعلم ولا يعلم ، ويعتاد و لا يعتاد ...
وأما عن حالك أيها الإنسان فإنه- وواأسفاه - يصاحبك الإرهاق من جراء تداول الأشياء فتركض لتحزم حقائبك وترحل بعيدا .. تجمع كل أشيائك الصغيرة العزيزة عليك لتحملها معك، وتخبّئ رسوم الأحبة في صندوق صغير لتبقى كل الوجوه في الذاكرة محاطة بشريط حريري أحمر على أمل أنتعيد تأملها مرارا عندما تستقر حيث تمضي ..
وفجأة وفي خضم كل ذلك إذ بصوت من الأفق البعيد يتهدّج بكثرة وكان مخيفا بشدة فأسرعتَ في عملك ولكن سرعان ماأدركت صاحب ذلك الزئير ..
نعم لقد كان صوت ذلك القناع المستبد ...فأسرعت حاملا حقيبتك وإذ بكترتطم في كل مرة بعناد ذلك القناع فهو لا يكترث لتوسل أي إنسان ولاتتساقط ملامحه من الهواء بل تطير إيماءاته كالسهام رغم وضعها تحت الحصار ..
لحظات جنون ترتطم بجنون آخر تجعل كل الأحلام تسيل من عينيّ ذلك الهارب الراحل ممتزجة بالدموع فيقسم للحظات الصمت و الوفاء ويعتقل نفسه قسراً داخلها ؛ لانوم ولا كلام ولا أحد ليكتشف أن جميع من حوله قد احتضنهم النوم و ربما قد تسللت الأحلام إلى جفونهم ...
فتغيب عنه كلّ الأسئلة لتجتمع من جديد بصيغة واحدة ليدركها أولا يدركها.. فيصاب بالهذيان وليضيع في متاهات اليقظة و الخيال ...