wwww.risalaty.net


ذكرى مولد المصطفى .. القدوة الصالحة


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تنحلّ بها العقد، وتنفرج بها الكُرَب، وتُقضى بها الحوائج، وتُنالُ بها الرَّغائب وحسنُ الخواتيم، ويُستَسقى الغمامُ بوجهه الكريم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

        الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يومٌ تعارف الناس على أنه يومُ ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الإنسانِ الذي اختاره الله سبحانه وتعالى من بين الخلائق أجمعين ليكون نبيّاً ورسولاً وخاتماً للرسالات أجمعين. أنقذ الله سبحانه وتعالى بهذا النبي الكريم أمةَ العرب، ثم من اتبعه من بقية الأمم، حتى نَظَمهم جميعاً في عِقد واحد "المسلمون".

^ ما الذي تعنيه لنا ذكرى المولد النبوي الشريف؟

        في الثاني عشر من شهر ربيع الأول يحتفل الناس بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغضّ النظر عن الاحتفال وحكم الاحتفال وما يجري بهذا الاحتفال، نحن يعنينا من هذا اليوم أن نحيي في نفوسنا ذكرى رسول الله (القدوة الصالحة)، رسول الله (الأسوة الحسنة لهذه الأمة جميعاً)، قال الله سبحانه وتعالى:[]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً[] سورة الأحزاب (21).

        يعنينا أن نتأسّى بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفاته، وأخلاقه، وشمائله وكلِّ ما أُثِرَ عنه عليه الصلاة والسلام. هل هناك أعظم من أن نجد في السيرة النبوية سؤالاً يُطرَحُ على السيدة عائشة رضي الله عنها "كيف كان خُلُقُ رسول الله"؟ فتقول: "كان خُلُقُه القرآن". فأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم منسجمة مع القرآن الكريم وأهدافه ومعانيه وأحكامه وتشريعاته، لا تخرج عن هذا الإطار أبداً. رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله يعكس لنا القرآنَ الكريمَ عمليّاً ويترجم لنا آياته على الواقع، سواء كان ذلك في معاملته مع زوجاته، أو أولاده، أو جيرانه، أو الوفود التي قَدِمت عليه من بلاد بعيدة، أو كان ذلك في سِلْمِهِ، أو حربه وغزواته وفتوحاته، أو دعوته إلى الله سبحانه وتعالى، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتمثل القرآن الكريم واقعاً عملياً.

        لذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لأمته سلوكاً عملياً على الواقع، وليس منهجاً نظرياً، يمكننا وضع مناهج على الحبر والورق، ونملأ بها الخزائن والمكتبات، لكنها ستبقى في إطار هذه الخزائن والمكتبات، ولن تنعكس على الواقع في شيء. أما نبينا عليه الصلاة والسلام فقد استطاع أن يطبع هذه المناهج التربوية العملية في قلوب أصحابه، لذلك رأينا أن تأثيره عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه رضي الله تعالى عنهم كان تأثيراً عظيماً، وأنه حقيقةً كان قدوةً وأسوة تأسّى الناس به في عصره وزمانه، وانتفعوا به كثيراً. ونحن اليوم إذا ما أردنا أن نغيّر حال الأمة ونرتقي بمستواها إلى الأفضل فما علينا إلا أن نعيد القدوة والأسوة لشخصيّة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نجعل من أخلاقه وسلوكه وتصرفاته وأحواله كلها منهجاً عملياً واقعيّاً نتّبعه ونسلكه في حياتنا.

^ شهادات تزكية من الله سبحانه تعالى بحقّ نبيّه محمّد عليه الصلاة والسلام:

        أيها الإخوة القراء! حاز سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال جلَّها أو كلّها، وهذا ما ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حيث زكّى رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يمكن أن نتوقّع من الصفات والأحوال والمعاني.

        أ- الشهادة (1): كمال العقل:

        زكّى الله سبحانه وتعالى عقل النبي عليه والصلاة والسلام فقال في حقه:[]مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى[] سورة النجم (2). هذه التزكية للعقل تعني أن عقل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه في قمّة الكمال، لا يمكن أن يحدثَ له أي نوع من أنواع الخلل. وتلك الاتّهامات الكاذبة التي أطلقها بعض المستشرقين وغيرهم؛ من أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه نوبات صرع، أو أنه جاء بالقرآن الكريم من مخلّفات الكتب السابقة، أو أنه سمعه من ورقة بن نوفل فصاغهُ بهذه الطريقة، فهذا الكلام اتّهامٌ باطل؛ لأن الله سبحانه وتعالى زكّى ومدح عقلَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وصل إلى درجة الكمال.

        ب- الشهادة (2): دقّة الرّؤية البصرية:

        وزكى الله سبحانه وتعالى بصرَ النبي صلى الله عليه وسلم، بأن رؤيته عليه الصلاة والسلام رؤية ثاقبة. قال الله تعالى:[]مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى[] سورة النجم (17). أي إن بصرك يا محمد لم يشذَّ، ولم يطغَ، ولم يتجاوز الحدَّ، إنما هو بصرٌ دقيقٌ يدرك الأمر على حقيقتها.

        جـ- الشهادة (3): دقّة الرّؤية القلبية:

        وزكّى الله سبحانه وتعالى فؤاده وقلبه عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه:[]مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى[] سورة النجم (11). إن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للحقائق والمعجزات والآيات الكونية وما أنزله الله سبحانه وتعالى، إن هذه الرؤيةَ رؤيةٌ حقيقيةٌ لا كذبَ فيها ولا امتراء ولا افتراء.

        ء- الشهادة (4): علوّ الذِّكْر:

        ورفع الله سبحانه وتعالى ذِكرَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:[]وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ[] سورة الشرح (4).

        وقد مدح أحد الشعراء النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى ذِكره المتألّق في الآفاق، حيث قال:

أَبَـرٌّ، علـيهِ للـنُّبُـوَّةِ خـاتَـمٌ     منَ اللهِ مـنْ نورٍ يَلـوحُ ويَشـهَدُ

وَضَـمَّ الإلهُ اسـمَ النَّبيِّ إلى اسـمِهِ     إذا قـالَ في الخمـسِ المُؤَذِّنُ أَشْهَدُ

وَشَـقَّ لهُ مـن اسـمهِ لِيُـجـِلَّهُ     فَذُو العـرشِ محـمودٌ وهذا مُحَمَّدُ

ما من مؤذّن في الدنيا كلها يؤذن إلا ويقول في اليوم الواحد خمسَ مرات: "أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله". صلى الله عليه وسلم.

        فالله سبحانه وتعالى رفع ذِكرَ النبي صلى الله عليه وسلم في كل مكان، وما ذُكِر عليه الصلاة والسلام في موضعٍ من المواضع إلا ورأيتَ الألسنةَ تَلهَجُ بالصلاة والسلام عليه، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك أجمعين.

        هـ- الشهادة (5): العِلم الربَّانيّ:

        ومن أرقى أنواع التزكية أن الله سبحانه وتعالى زكّى عِلم النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال:[]عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى[] سورة النجم (5). أي إن هذا العلم الذي جاء إلى قلب النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق سيدنا جبريل من الله سبحانه وتعالى علمٌ لا افتراءَ فيه. النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ أمّيّ، وأميّته عليه الصلاة والسلام هي مصدرٌ من مصادر الإعجاز، ونوعٌ من أنواع الارتقاء بشخصيته عليه الصلاة والسلام، فجاءه العلم اللَّدُنِيُّ من الله سبحانه وتعالى، فكان يخبر الناسَ بما كان، وبما هو كائن، وبما سيكون، ولم يحدث أنْ وقع في كلامه عليه الصلاة والسلام أيُّ خللٍ في وصفه للأمور على ما هي عليه، أو في نبوءات المستقبل.

        و- الشهادة (6): الصّدق والأمانة:

        وأنصف الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم في حالة الصدق التي كان يتميّز بها. المعروف أنه عليه الصلاة والسلام كان يُعرَف بين الناس بقريش قبل البعثة بـ "الصادق الأمين". وقد أكّد الله سبحانه وتعالى هذا الصدقَ بقوله جل وعلا:[]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى[] سورة النجم (3). أي ما جاءكم به محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو وحيٌ من الله سبحانه وتعالى بوساطة المَلَكِ الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام، وليس كلاماً من عنده.

        ز- الشهادة (7): الحِلْم والأناة:

        زاد الله سبحانه وتعالى نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وسلم شرفاً حينما وصفه بالحلم والأناة والرحمة:[]لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[] سورة التوبة (128). وهذه الصفات قلّ أن يتّصف بها الرجال، فقد كان عليه الصلاة والسلام يستوعب كلَّ مَن جاءه، ويحتمل غِلظتهم. وقال له الله سبحانه وتعالى:[]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...[] سورة آل عمران (159). لم يُعرَف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهر أحداً أبدا، بل كان عليه الصلاة والسلام لطيفاً ورؤوفاً ورحيماً، ويُقبِل بوجهه على الناس، حتى أنه كان يعيش معهم كأنه واحدٌ منهم.

        مرةً دخل رجل من خارج المسجد من الأعراب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضوان الله تعالى عنهم فقال: "أيُّكم محمد؟". لا يعرفه؛ لأنه لم يتخذ لنفسه عرشاً أو مكاناً يتميز به عن إخوانه وأصحابه.

        ح- الشهادة (8): الخُلُق العظيم:

        ختم به الله سبحانه وتعالى هذه السلسلة العظيمة بالمدائح والثناءات العطِرة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال له:[]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[] سورة القلم (4).

        وهذا هو شعار الأمة الإسلامية؛ فديننا لم ينتشر في الأرض بالعنف، ولا بالسيف، ولا بالإكراه، ولا بالإجبار. يقول تعالى:[]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...[] سورة البقرة (256). إنما انتشر الإسلام في الدنيا بأسرها عن طريق الأخلاق العظيمة. مواضع يسيرة جداً هي التي افتُتِحت بالسيف والقتال، وعن طريق الفتوحات والغزوات، حتى أن كثيراً من فتوحات المسلمين ذهبت بقصد الفتح العسكري، وانتهت وتحوّلت إلى فتحٍ سِلْميّ كما حصل في "سمرقند"؛ حيث فتحها المسلمون في البداية عُنوة، فأرسل أهلها إلى أمير المؤمنين في الشام - ويقال إنه هشام بن عبيد الملك، ويقال إنه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه - فأرسل الخليفة إلى قائده في سمرقند أنْ: "إذا جاءك كتابي هذا فأَخرِجْ جيشك، ثم ادعُ أهل سمرقند إلى الإسلام، فإن استجابوا فادخل، وإلا فاعرْضْ عليهم ما يُعرض على البلاد التي نفتحها (الدخول في الإسلام وأخلاق المسلمين وكرائم الصفات العظيمة)". وبالفعل هذا ما حصل وخرج الجيش من سمرقند، فلما رأى أهلها هذه العدالة، وهذا الإنصاف، وهذه المرحمة عند القادة المسلمين جاء إلى قائد جيش المسلمين في سمرقند وفدٌ من أهلها وقال: "إن جيشاً يمتلك هذه العدالة يستحقّ أن يُتَّبَعَ دينُه، وقد جئناكَ مسلمين، مؤمنين بالله سبحانه وتعالى". ودخل أهلُ سمرقند جميعاً في الإسلام.

^ مجالات للاقتداء به عليه الصلاة والسلام:

        أيها الإخوة القراء! ما أعظمَ أن نُفَعِّلَ القدوةَ في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم على واقعنا؛ حتى نتعلم من هذه الشخصية العظيمة كيف تكون القدوة الصالحة والأسوة الحقيقية.

        كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً في كل شيء:

        أ- في مجال السياسة:

        فقد كان عليه الصلاة والسلام يسعى على الدوام إلى إقامة الحق والعدل في الأرض، لذلك فإن أول ما فعله حينما انتقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أنْ بنى دولةً للمسلمين، في وسط الصحراء استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقيمَ دولةً من فُتاتٍ متناثر من المقوّمات والأدوات والطاقات، ليكون بذلك قدوة لكل سياسي، أن يغتنم كل الثروات والطاقات التي يمتلكها لكي يفعّلها في خدمة وطنه وأمته.

        كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً في مجال الحروب، فقد كان يضع الخطط والنظريات، ويقود الجيش بنفسه، لم يَكْتَفِ عليه الصلاة والسلام بأن يُنَظِّرَ للمعركة ويضع له الخطط، بل كان دائماً في أول المعركة مقاتلاً شجاعاً وبطلاً صامداً يحمّس الجيش.

        وفي إحدى الغزوات انتشرت دعاية أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتِل، فإذا به يظهر بين الناس ويرتجز بصوتٍ جهوري عالٍ قائلاً:

أنـا النَّـبيُّ لا كــذبْ     أنـا ابنُ عـبدِ المطَّـلبْ

        كما أنه عليه الصلاة والسلام في كثيرٍ من المعارك كان أسبَقَ الناس إلى خطوط العدو، كان دائماً في المقدمة، يقول سيدنا علي كرم الله وجهه: "كنّا إذا اشتدّ البأس وحَمِيَ الوطيس اتّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم". أراد بهذا السلوك أن يعلّم أصحابه كيف تكون القدوة الحقيقية في القتال وفي المعركة.

        ب- في الجانب الإنسانيّ:

        كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً وأيّما قدوة! جاء عليه الصلاة والسلام ليُعَظِّمَ الإنسان ويُعْلِيَ شأنَه، وليرحمه ويعطف عليه، وكأنه عليه الصلاة والسلام ليس له همٌّ إلا أن يمسحَ دموعَ البائسين، ويعطف على الفقراء والمساكين، ويرحمَ الأرملةَ واليتيم، وأن يقومَ بشؤون الناس.

        المعروف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كانت الجارية[1] من جواري المدينة تأخذ بيده عليه الصلاة والسلام، وتقوده في أزقّة المدينة لا يكلّمها ولا يسألها أين تذهبين! وربما جاءت الجارية لتدعوَ النبي عليه الصلاة والسلام إلى طعامٍ هو عبارة عن مَرَقٍ في كُراع[2]، فيستجيب لها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأنف منها. كذلك كان حاله في رعاية الفقراء والمساكين، وهو الذي يقول: "إنّما تُنصَرون وتُرزَقون بضُعفائِكم". كشف الخفاء.

        نُصرةُ النبي صلى الله عليه وسلم للإنسانية أمرٌ يأخذ العقولَ والألباب. اليوم يتفلسف علينا بعض المنظّرين في العالم ويقولون: حقوق الإنسان ومنظمات حقول الإنسان... ليس هناك أعظم من هذه الكذبة التي يكذبون بها على العالم! أين هي حقوق الإنسان في العراق؟! وأين هي حقوق الإنسان في فلسطين؟! في غزة - على سبيل المثال - كل يوم هناك ضحايا وشهداء من النساء والأطفال... تشريد وهدر للبيوت... أين منظمة حقوق الإنسان العالمية؟! والتصريحات التي صدرت بأن أمريكة صدّرت إلى العالم قائمة بمن ينتهك حقوق الإنسان، والحقيقة أن أول من انتهك حقوق الإنسان في العالم هي أمريكة، وإن آخر دولة في العالم يحق لها أن تتكلم في حقوق الإنسان هي أمريكة! فلْتُصِمَّ صوتَها، ولْتسكتْ عن هذا الكلام الفارغ من مضمونه، ولنُصغِ إلى صوت الإسلام، وصوت الحق، وصوت الرحمة؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعْلي مكانةَ الإنسان ويعظّم الإنسانية. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: "لَأَنْ تُنْقَضَ الكعبةُ حجراً حجراً خيرٌ من أن يُراقَ دمُ امرئٍ مسلم". ما أعظمَ هذا الكلامَ وما أَجَلَّه!

        جـ- في مجال العبادةّ:

        كان النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة قدوةً لا نظيرَ لها، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعبد الله تعالى ويقوم بين يديه حتى تتفطّرَ قدماه، وإذا سُئل عن ذلك من قبل زوجاته أو أصحابه "لم تصنع ذلك يا رسول الله وقد غُفِر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟". كان يقول: "أفلا أكون عبداً شكورا؟!". متفق عليه. كان نبيّنا عليه الصلاة والسلام يعلّمنا بذلك كيف يُقْبِلُ الإنسان على الله تعالى.

        ولم يكن يشدّد على الأمة في العبادة، إنما كان مهجُه منهجَ التيسير، منهجَ الوسطية والاعتدال. وورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: "اكلفوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلّوا". مسند أحمد.

        وكان عليه الصلاة والسلام دائماً يحب المواظبة على العمل وإن كان قليلاً. سُئِلت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما أَحَبُّ العمل إلى رسول الله؟ فقالت: "أدْوَمُهُ وإن قلّ". صحيح البخاري. فهو عليه الصلاة والسلام لم يشدّد علينا في العبادة. كان يشدّد على نفسه، ويزداد قرباً من الله سبحانه وتعالى.

        دخل ذاتَ يومٍ إلى المسجد فرأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين، فقال: "ما هذا الحبل؟". فقالوا له: "إنه لزينب أم المؤمنين، تصلي من الليل، فإذا تعبت اتّكأت عليه". فقال عليه الصلاة والسلام: "حُلُّوه، ليُصَلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فَتَرَ فلْيقعُدْ". متفق عليه. لا تكلّف نفسك فوق الطاقة حافِظْ على ركعتين كلَّ يوم قياماً لليل، أو في التهجد، أو قبل السَّحَر، أو قبل صلاة الفجر، ولا تُرهق نفسك، لكن المهم أن تحافظ على وِرْدٍ أنشأته واتّبعته؛ لكي تندرج تحت إطار من يواظب على العمل بعد أن شرع فيه.

        ء- في مجال الدعوة:

        كان نبينا صلى الله عليه وسلم قدوة عظيمة في دعوة الأمم والأقوام، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الناس في ليله ونهاره. يطوف على البيوت وفي المجالس يدعو إلى الله تعالى منذ أنزل عليه قوله سبحانه:[]يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)[] سورة المدثر. منذ أن أنزل الله عليه هذه الآية لم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم طعم الراحة أبدا، لم يَنَمْ كثيراً، لم يأخذ من حياته وقتاً للراحة وقضاء الوقت في التسلية والترفيه وغير ذلك، إنما كان وقته كله عليه الصلاة والسلام مسخَّراً في الدعوة إلى الله وفقَ منهج:[]ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...[] سورة النحل (125). فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يدّخر وقتاً أو قوة أو طاقة إلا وسخّرها في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. خاطب الملوك والرؤساء، خاطب العشائر والقبائل، ما ترك مجلساً من المجالس إلا وغَشِيَهُ، حتى الكفار دخل إليهم في أنديتهم ومجالسهم ليبلّغهم دينَ الله سبحانه وتعالى بأدبٍ جَمّ، بحكمة بالغة، بموعظة حسنة وبكلمة رقيقة.

^ مواقف عمليّة له عليه الصلاة والسلام تجسّد القدوة من خلال تعامله مع الناس:

        الناس اليوم بحاجة إلى قدوة، وليسوا بحاجة إلى منظّرين، هم بحاجة إلى تفعيل مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم وسلوكهم. نضرب على ذلك بعضَ النماذج التطبيقية لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس ليتألَّف لقلوبهم ويؤثّر فيهم، وقد كان الناس يتآلفون معه عليه الصلاة والسلام من أول لقاء وأول موقف.

        أ- في التعامل مع الأطفال:

        قَدِمَ الأقرع بن الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه يقبّل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، فقال: "إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ واحداً منهم". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وأملكُ إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك؟!".

        والنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لنا مثلاً كيف تكون القدوة مع الأطفال، كيف يكون الأب معلماً قدوةً لأولاده في الصدق والاستقامة والسلوك الحَسَن؛ حتى يتّبعوا منهجه ويسلكوا طريقه.

        كان النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على المنبر، وإذا به ينظر إلى طفل يتهادى في مشيته بين الناس، فينزل عليه الصلاة والسلام من على منبره، ويحتضن ذلك الطفل، ويأخذه معه على المنبر يضعه على يمينه، ثم يقول: "إن ابني هذا سيّد، ولعل الله أن يُصلِحُ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". صحيح البخاري. لا حظوا أيها الإخوة كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الطفولة ورَحِمَهَا، وجعل هذا الطفل يشعر بمسؤولية تصرفاته، فحينما احتضنه عليه الصلاة والسلام وأصعده على المنبر وهو ينظر إلى الناس من حوله، فهذا سيترك أثراً عظيماً في نفس ذلك الطفل.

        خرج عليه الصلاة والسلام مرةً من المسجد، فوجد أطفالاً في الطريق يلعبون، فما ترك ولداً إلا ومسح على رأسه وخدّيه. يروي هذا الحديث سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه حيث يقول: "وكنتُ ممّن مسح رسولُ الله خدَّه، فوجدتُ بيده برْداً وريحاً كأنما أخرجهما من جُونةِ[3] عطَّار". الله أكبر! لاحظوا هذا التأثر وهذه الذكرى العظيمة في حياة سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، فلا يزال مع كِبَرِهِ وشبابه يتذكر شعوره ببرد يَدِ النبي صلى الله عليه وسلم ورائحتها العطرة على رأسه وخدَّيه. هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً صالحة للطفولة.

        يقول سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: ((أرْدَفَني النبي صلى الله عليه وسلم وراءه ثم قال لي: "يا غلام! إني أُعلّمك كلمات، احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ الله تجدْه تُجاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنْ بالله...")). سنن الترمذي. والله إني لأرى أن هذه الوصية تصلح لكبار الناس، للشباب، للرجال، للعقلاء، وليست فقط حطاباً للغِلمان[4]. فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف ارتقى بعقل الطفل إلى مصافّ الكبار، وحمّلهُ المسؤولية وأشعره بالواجب والمهمة التي ألقاها عليه، وبذلك يأخذ بيده، ويستثمر عليه الصلاة والسلام جانب العقل عند الطفل كما استثمر جانبَ العاطفة.

        ب- في التعامل مع الشباب:

        كان صلى الله عليه وسلم قدوة عظيمة لا نظيرَ لها في التعامل مع الشباب...

        أتى شاب من شباب المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "يا رسول الله! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه! مه! فقال: ادنُ. فدنا منه قريباً. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أتحبه لابنتك؟ قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. أفتحبه لأختك؟ قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك! قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك! قال" ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه فقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء". مسند أحمد. خرج هذا الرجل من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وما شيءٌ أبغض إلى نفسه من هذه الفاحشة بِسرّ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

        لاحظوا كيف استخدم النبي صلى الله عليه وسلام أسلوب الترغيب مع هذا الشاب، أسلوب الحوار بالعقل، أسلوب التربية بالقدوة، ما نَهَرَهُ، ولا زَجَرَهُ، ولا أساء إليه بكلمة، ولا أغلظ عليه في القول، إنما تحمّل من فورة الشباب واستوعبه استيعاباً كبيراً.

        هذا النموذج يعطينا أسلوباً عظيماً من أساليب التعامل مع جيل الشباب بالقدوة، وكيف نكون قدوة صالحة لهم.

        جـ- في التعامل مع الرجال والشيوخ:

        أيضاً كان عليه الصلاة والسلام قدوةً لا نظيرَ لها في التعامل مع الشيوخ، ومثالاً على ذلك ما حصل بينه وبين "ثُمامة بن أثال" (وهو من كبار أسياد قومه، فكان سيدَ أهل اليمامة). اقتاده بعض رجال المسلمين أسيراً في معركة من المعارك، وربطوه بسارية من سواري مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فلما دخل عليه الصلاة والسلام ورآه مقيداً أمرهم بفكّ وثاقه لأنه سيد في قومه، ففَكّوا وثاقه، وتركه عليه الصلاة والسلام في المسجد، وأوعَزَ إلى بعض أصحابه أنْ أكرِموه بالزاد، ولْيشهدْ الجماعة والجُمعات مع المسلمين. أراد النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل أن يكون متلقياً للوحي ندياً طرياً، ويسمع القرآن حينما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يُلقي رسول الله الموعظة على أصحابه، وكيف يقدّم لهم النُّصحَ والإرشاد والتوجيه.

        بعد أن انتهى اليوم الأول من أسر ثمامة جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ماذا عندك؟ يا ثمامة!" فقال: إن تقتلْ تقتلْ ذا دم، وإن تُنعمْ تنعمْ على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى كان بعد الغد. فقال "ما عندك؟ يا ثمامة!" قال: ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد. فقال (ما عندك؟ يا ثمامة!) فقال: عندي ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقوا سراحه ويذهب. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل. (فقد تعلم في المسجد الآداب والأخلاق التي تراءاها خلال ثلاثة أيام من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم). ثم عاد ثمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له بعد أن وقف بين يديه بأدب واحترام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يا محمد! والله! ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. والله! ما كان من دين أبغض إلي من دينك. فأصبح دينك أحب الدين كله إلي. والله! ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك. فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة. فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بالمغفرة)، وأمره أن يعتمر.

        فذهب ثمامة إلى مكة المكرمة ليؤديَ مناسك العمرة، فلما وصل مكةَ ونزل في الطواف ورفع صوته بالتلبية، قام إليه المشركون فقالوا: من هذا الذي يرفع صوته بالتلبية بين أظهُرنا؟! فقاموا إليه وضربوه ضرباً شديداً مبرحاً، حتى أنقذه أبو سفيان من بين أيديهم، وقال لهم: إنه ثمامة بن أثال؛ سيد أهل اليمامة، وأنتم تحتاجون إلى الحنطة من هذه البلاد، وإن الحنطة بيديه، فتركوه، فلما سمع ثمامة بذلك الكلام جلس وقال: والله! لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ثمامة أول من فرض حصاراً اقتصادياً على المشركين في مكة المكرمة حتى أكلت قريش وبرَ الإبل مع جلودها، فلما أصابهم هذا الجوع الشديد ذهب أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشده اللهَ والرحمَ أن يرسلَ إلى ثمامة لِيُخَلِّيَ بينهم وبين الحنطة، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينسى أهله وعشيرته وهو يضرب مثلاً عظيماً في حسن التعامل والصلة مع كل الناس، فأرسلَ إلى ثمامة أنْ خَلِّ بينهم وبين الميرة (الحنطة والقمح). القصة مأخوذة من صحيح مسلم.

        نلاحظ هنا أيها الإخوة كيف حوّل النبي صلى الله عليه وسلم بخُلُقِهِ، وأدبه، ورحمته، وتواضعه، حوّل البغض في قلب ثمامة إلى حب مشرق ووُدٍّ عظيم، وحوّل الرفقَ واللينَ في قلبه عليه الصلاة والسلام إلى رفقٍ ولينٍ في قلب ثمامة، حيث أعاد إرسال الحنطة من جديد إلى أهل مكة المكرمة من المشركين.

^ خاتمة:

        أيها الإخوة القراء! التّأسّي بالقدوة الحسنة (سيّدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) خيرُ درس، وخيرُ منهجٍ عمليٍّ نُفَعِّلُهُ ونحن نحتفل بذكرى ولادته عليه الصلاة والسلام، أن نكونَ قدوةً لأولادنا، لزوجاتنا، لجيراننا، لأصدقائنا، للناس من حولنا. أن نكون قدوة في الصدق، قدوة في الاستقامة، قدوة في المعاملة مع جميع مَن حولَنا، وأن نكون مثلاً يُقتدى به إن شاء الله تعالى لمن يأتي بعدنا من الأجيال اللاحقة.

        اللهم! اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، واجعلنا من أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الصادقين في أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

 

ذكرى مولد "المصطفى"

القدوة الصّالحة

لفضيلة الشيخ "محمد خير الطرشان"

ضمن ملف بوربوينت

 

لتحميل الملف بصيغة  PowerPoint 2007

اضغط هنا

لتحميل الملف بصيغة  PowerPoint 2003

اضغط هنا

 

 

اقرأ أيضاً:

ذكرى المولد النبوي الشريف  اضغط هنا

 

 

 



[1] الطفلة الصغيرة.

[2] أي عظمٌ يسيرٌ عليه لحمٌ قليل وفيه مرقٌ كثير.

[3] أي آنية.

[4] الغلام هو الذي بلغ تسع سنين.