wwww.risalaty.net


التداوي بالقرآن الكريم (4): السحر وعلاجه، والرقى المشروعة


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)

بيَّنا في المقالات السابقة حكم التداوي بشكل عام، وحكم التداوي بالقرآن الكريم بشكل خاص، وبينا أن التداوي لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى، بل يشمل الأمرين معاً: الاعتماد على الله والتفويض إليه في تعاطي الأسباب، وتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، بل هو من صدق التوكل..

ولكن، ما هي الأدوية الواردة في السنة النبوية؟؟.. وما الرقية، ما حكمها؟ وما مدى مشروعيتها؟ وما هي شروطها؟؟..

وهل السحر حقيقة؟؟ وإن كان حقيقة فكيف نعالج أنفسنا منه؟؟ وما هي الرقى الشرعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟..

هذا ما سنبينه في المقالة بين أيديكم..

 

t               الأدوية في السنة النبوية:

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاث: كير من نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي"، وفي لفظ آخر: "وأنهى أمتي عن الكي". أي إذا لم يكن هناك ضرورة للكي، لأن الكي حرق بالنار، وحرق النار من خصائص الله تعالى، لكنه نوع من أنواع الدواء وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند الضرورة، فقد كوى سيدنا أبي بن كعب عندما أصابه سهم في كاحله، فكواه عملاً بالسبب لعل الله يشفيه، وقد شفاه الله.

وفي حديث آخر: "عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن".

والعسل أشار الله إلى أن فيه شفاء للناس، والقرآن هو هدى وشفاء للناس.

وجاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أخي استطلق بطنه، فقال: "اسقه عسلاً"، فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً، فقال: "اذهب فاسقه عسلاً"، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: ما زاده إلا استطلاقاً، فقال: "صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً"، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ وشفي.

والعلاج بالقرآن أمر مشروع ومندوب إليه وكذلك العلاج بالرقى وبما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء من القرآن الكريم أو بأدعية مأثورة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقى بها أصحابه.

يقول الإمام ابن القيم في كتابه [زاد المعاد]: "الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى"، أي إذا رقى بها رجل صالح عالم له شهرة بين الناس بالخيرية.

أما إذا ممن يشيع اسمه بين الناس أنهي رقي أو يكتب حجاباً أو نحو ذلك وخاصة إذا لم نعلم ماذا يكتب أو يرقي، أو كان يرقي بلسان أعجمي غير عربي، أو بطلاسم ليست من القرآن، فلا يجوز أن تستعمل تلك الرقية ولا أن نلجأ إلى أولئك الناس الذين يشعوذون ويكذبون على الناس تحت عنوان العلاج بالقرآن أو العلاج بالرقية.

 

وقد ذكر العلماء ثلاثة شروط لجواز الرقية:

1. أن تكون بكلام الله أو أسمائه أو صفاته أو بكلام رسول الله صلى الله عليه، فلا خلاف في جواز الرقية بالفاتحة أو آية الكرسي وبما هو منصوص عليه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأسماء الله الحسنى.

2.   أن تكون بلسان عربي فصيح، لا بلسان أعجمي لا نفهمه ولا بالطلاسم والتمتمات التي فعلها المشعوذون.

3. أن يعتقد أن الرقية نفسها لا تؤثر بذاتها بل بقدرة الله تعالى وإرادته، فالشافي الحقيقي هو الله، وهذه مجرد أسباب نتعاطاها.

 

t               السحر وعلاجه:

نقف عند مرض انتشر بين الناس اليوم، وهو السحر، فقد صاروا يردون كل شيء سيء  إلى السحر.

فما هو السحر؟..

السحر هو عزائم وعقد وتمائم تؤثر في القلب والبدن، فيؤدي  إلى المرض وإلى أن يفرق بين المرء وزوجه، وإلى أحوال خطيرة، فهو بلاء يستشري وداء من أدواء الأمم منذ القدم، ولسوء آثاره اتهمت به الأنبياء وهم منه براء، قال تعالى: ((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) [الذاريات:52].

إذاً هو مشكلة من مشكلات الزمان قديماً وحديثاً، ونحن في عصور التطور والتقدم تزداد ظاهرة السحر والشعوذة نفوذاً وتجري في أكثر شعوب العالم تقدماً، فالسحر ليس مختصاً بأمة من الأمم، ولا ببلد من البلدان، ولا بعصر منا لعصور، وهو ينتشر في عصرنا دون ضوابط.

وسمي السحر سحراً، لأنه خفي، ولغة: السحر يطلق على كل شيء خفي سببه، وعلى شيء دق واختفى.

فالأنواع المختلفة من السحر وطرائقه المتباينة، محرمة في الشريعة الإسلامية وفي جميع شرائع الرسل.وهو أحد نواقض الإسلام، فمن فعله أو رضي به فقد كفر، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، قال تعالى: ((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [البقرة:102].

كذلك الأحاديث الصحيحة وأقوال أهل العلم دلت على أن السحر حرام مع أنه حقيقة موجودة، وقد وقع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما سحره يهودي يقال له لبيد بن الأعصم، فقد تأثر النبي صلى الله عليه وسلم وكان يخيل إليه أنه فعل الشيء وهو لم يفعله، كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.

 

ç علاج السحر:

الوقاية من السحر:

هناك بعض الأدعية والآثار الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حرص عليها وكررها ورددها فإنه لا يضره السحر أبداً.

1) التحصن بالدعوات والأذكار المشروعة كقولنا: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاث مرات صباحاً، وثلاث مرات مساءً. من قاله لم يضره شيء، لا سحر ولا سم، كما ورد عن سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه لما امتُحن بشرب السم شربه بعد أن قال هذا الدعاء فلم يضره.

2) قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة وعند النوم.

3) قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء، وعند النوم.

4) أن يكرر من قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وقد أُثر عن أهل العلم أنهم يكررون هذا الذكر 100 مرة كل يوم.

5) أكل سبع مرات على الريق صباحاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اصطبح بسبع تمرات لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" [رواه البخاري].

تلك مجموعة من أدوية الوقاية من السحر، وهي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

العلاج من السحر:

فإذا ما وقع الإنسان في السحر ماذا يفعل؟ هناك أشياء يعالج بها من القرآن والسنة ومما جربه أهل الخير، من ذلك:

1) أن يُستخرج السحر ويبطل إذا علم مكانه بالطرق المباحة شرعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر أخرج السحر الذي سحره به اليهودي وأبطل وبعد ذلك لم يضره أبداً.

2) الرقية الشرعية، فلا بد من أن يرقى عند رجل صالح، والرقية الشرعية تكون على الشكل التالي:

تقرأ الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والآيات 117-120 من سورة الأعراف، والآيات 79-82 من سورة يونس، والآيات 65-70 من سورة طه، وخواتيم سورة الحشر، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين.

تقرأ هذه الآيات على الإنسان الذي أصابه المس وتأثر به ويفضل أن يوضع له ماء يقرأ عليه ثم يغسل به الرجل المسحور ويكرر ذلك أكثر من مرة على نية الشفاء فيشفى بإذن الله تعالى.

 

t               بعض الرقى الشرعية:

ومما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنواع الرقية الشرعية:

1) الدعاء المأثور التالي: "أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك" سبع مرات.

2) يضع يده على المكان الذي يؤلمه من جسده ويقول: بسم الله.. ثلاث مرات، ثم يقول: "أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" يكررها سبع مرات.

3) يقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً".

4) "أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة".

5) "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".

6) "أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون".

7) "بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك".

 

هذه الرقى يعالج بها من السحر ومس الجان ومن الاختلاطات وجميع الأمراض، فهي رقى جامعة نافعة بإذن الله، مع ما ورد من شرب ماء زمزم وعسل النحل وبركة زيت الزيتون وحبة البركة السوداء وماء السماء.

إذاً هذه نبذة يسيرة عن التداوي بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة وعن الرقية الشرعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه، نسأله الله الشفاء من كل داء.

اللهم اشفنا بشفائك وعافنا بعافيتك وداونا بدوائك إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.