::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات المشرف

 

 

إصلاح الفكر الديني عند المسلمين

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

يعد الخطاب الديني أساساً هاماً ومرتكزاً رئيساً لعملية الإصلاح والتجديد الدائمين للفكر الديني، فهو في الأصل خطاب الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، كما أنه خطاب المصلحين لأتباعهم، وقد امتدحه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: (وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط العزيز الحميد) الحج/24.

والخطاب الديني له هدف سام يتمثل في توضيح رسالة الإنسان في هذه الحياة، ووسائل تنفيذها، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/59. فالله عز وجل أوجد الإنسان في هذه الكون لكي يعمره بالنفع والخير، زراعة وصناعة واختراعاً وابتكاراً وتطويراً ومهارات؛ لأننا في عصر لا تتنافس فيه الأمم باتساع رقعة أراضيها وأملاكها ولا بكثرة عدد سكانها، ولكنها تتنافس بالعلوم والاختراعات والقوة، وهو ما ندبنا إليه الإسلام من خلال قول النبي عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

لذلك يمكن أن نضع أسساً للخطاب الديني المثمر نحددها في النقاط التالية:

1-أن يستمد الخطاب الديني أسلوبه من القرآن الكريم، الذي قال فيه الله سبحانه : (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد). إبراهيم/1.

نموذج من الأسلوب القرآني : خطاب موسى وهارون لفرعون خصمهما اللدود: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً، لعله يتذكر أو يخشى).

2-اعتماد على ما صح من الأحاديث النبوية الشريفة بتوجيهاتها الحكيمة وأحكامها اللطيفة، وآدابها الرفيعة، وفضائلها العظيمة.

نموذج من الأسلوب النبوي في الخطاب: خطاب رسول الله لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لما أرسلهما إلى اليمن: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" حيث عكس هذا التوجيه سماحة الإسلام ومحبته للآخرين ونبذه للعنف والتطرف والتشدد، ودعوته لقبول الآخر.

3-أن يواكب الأحداث ويتعايش معها، مؤثراً فيها ومتأثراً بها، وألا يتصادم معها، كما كان يحدث عقب الغزوات التي خاضها المسلمون. مثلاً: بعد غزوة الخندق كانت سورة الأحزاب تتحدث عن موقف المنافقين مواكبة للحدث. وهذا يستدعي الخطاب الديني أن لا ينفك عن الواقع، بل أن يتعايش معه، حتى يصل إلى مرحلة التأثير.

نموذج: الاهتمام بواقع الأمة وشعوبها في فلسطين والعراق وغيرهما...

4-مراعاة أحوال المخاطبين: فالله تعالى أمر بذلك بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن...) النحل/125.

فهذه الآية رسمت الطريق القويم في الدعوة إلى الله وبينت الوسائل التي يلزم اتباعها لهداية النفوس، ومراعاة أحوال الناس وطباعهم وظروف حياتهم وتنوع ثقافتهم، وأن يخاطبوا بالقدر والأسلوب الذي يؤثر في نفوسهم وبالطريقة السليمة التي تؤثر في عقولهم وتستميل عواطفهم.

نموذج: خطاب الرسول لأهل اليمن: "هل من امبرِّ امصيام في امسفر؟" أي: هل من البر الصيام في السفر؟

5-أن يقوم على الحقائق الثابتة بعيداً عن الخرافة والشعوذة والأسطورة. فما بني على الحقائق فإنه يلامس العقول ويقترب منها، وهذا ما اتبعه القرآن الكريم مع المؤمنين؛ إذ كان خطاباً يقينياً راسخاً...

6-إن أهم أركان الخطاب الديني (الوسطية والاعتدال) لأن الشريعة الإسلامية قامت عليهما، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) وهذه الوسطية تأمر الناس بالتعاون فيما بينهم حتى ولو كان بينهم اختلاف في العقائد، والمسلم ليس من وظيفته أن يحاسب الناس على معتقداتهم بل تقوم وظيفته على الدعوة إلى الخير والحق والفضيلة وإقامة العدالة، كما لا يجوز إكراه الناس على تغيير عقائدهم، فالعقائد لا إكراه فيها، كما قال الله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة/256.

نموذج: بعد غزوة بدر دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهداء المسليمين، ولم يترك أجساد المشركين ملقاة على الأرض، بل أمر بدفنها أيضاً !!

لم يحرقها، ولم يمثل بها،  بل احترم أجسادهم ولم يتركها نهباً للسباع والذئاب والحشرات، وهو بذلك يعطي العالم درساً في احترام الأنفس، التي قال الله تعالى في حقها: (ولقد كرمنا بني آدم) وقال أيضاً: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).

نموذج آخر: في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مرت بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا له، فقلنا يا رسول الله: إنها جنازة يهودي! قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا.

وفي رواية أخرى لهذا الحديث قال:" أليست نفساً ؟ " وكلا الروايتين في صحيح البخاري.

يقول الإمام ابن حجر في شرحه فتح الباري على صحيح البخاري 3/180: (مقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت، واستوى فيه كون الميت مسلماً أو غير مسلم).

كما أن في هذا النص دلالة رائعة تتمثل في تدريب الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام على تجاوز النظر الجزئي الضيق، إلى التعامل مع الواقع بإحاطة وشمولية.

ولعل هذا الأسلوب التربوي الفريد هو الذي جعل أصحاب رسول الله يتعاملون مع الوقائع المستجدة بمرونة، فحين أرسل أبو بكر الصديق جيوشه لفتح بلاد الشام أوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلُّوا، ولاتجبنوا، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوا زرعاً، ولا تحبسوا بهيمة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً، ولا صبياً صغيراً، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع للذي حبسوها فذرهم وما حبسوا أنفسهم له...).

ففي هذه الوصية: يبرز حرص الإسلام على الآخر، وحمايته لحقوق الإنسان، ورعايته للطفولة والشيخوخة، وتكريمه للمرأة ، وحفاظه على البيئة، واحترامه للمقدسات، وإكرامه لذوي الهيئات من أصحاب الشرائع السماوية السابقة.

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4277

 تاريخ النشر: 09/04/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1384

: - عدد زوار اليوم

7398271

: - عدد الزوار الكلي
[ 64 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan