::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

الدُّعاء سلاح المؤمن

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

خطبة الجمعة بتاريخ 6 / 4 / 2012
في جامع العثمان بدمشق
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، يا ربَّنا لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهكَ وعظيمِ سلطانك، سُبحانكَ لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.
 وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لهُ الملك ولهُ الحمد يُحيي ويميتُ وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه.
 اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبيّ الكريم، صلاةً تنحلُّ بها العُقَد، وتَنْفَرجُ بها الكُرَب، وتُقْضى بها الحوائج، وتُنال بها الرغائب وحُسنُ الخواتيم، ويُستسقى الغمام بوجههِ الكريم، وعلى آلهِ وصحبهِ وسلّم تسليماً كثيراً..
أما بعدُ فيا عباد الله: أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله تعالى.. وأحثُّكم على طاعتهِ والتمسُّك بكتابه، والالتزام بسُنَّة نبيّه سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ومنهاجِه إلى يومِ الدِّين..
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾]البقرة- ١٨٦[
أيها الإخوة المؤمنون: حينما تتنزَّل الشدائد وتكثر الكروب وتعظم المحن ، ليس للمؤمنين من بابٍ يقرعونه إلا باب الله، وليس لهم من ملجأٍ يلجؤون إليه، ولا من ملاذٍ يلوذون به إلا باب الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]فاطر-٦٠[.
انظروا - أيها الإخوة - إلى هذه الإشارة الربّانية العظيمة، إلى أهميّة الدعاء، وإلى فضلِ ومكانة الدعاء في هاتين الآيتين الكريمتين ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾،﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚوفي كل منهما خاتمةٌ ونهايةٌ مهمة، فأما الآية الأولى من سورة البقرة فختمها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ، فيهاإشارتان ، هما : الإيمان والاستجابة ، وهما يعنيان الإيمان المطلق الكامل بالله سبحانه وتعالى. وكأن الله تعالى اشترط على المؤمنين إذا أرادوا  أن يستجيب دعاءهم أن يستجيبوا له الاستجابة الكاملة، وأن يؤمنوا به الإيمان الكامل غير المنقوص . هذه الإشارة وردت في الآية الأولى من سورة البقرة .
وأما الآية الثانية من سورة فاطر ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَففيها إشارتان أيضاً ، الأولى: ضرورة أن يتواضع العبد بين يدي ربه، وأن يتذلَّل إلى مولاه فلا يَستكبر العبد، ولا يأْنف أن يطلب من الله سبحانه وتعالى وأن ينقل حاجاته إلى ربه سبحانه وتعالى، وأن يعبّر عن ضعفه وعجزه ، وأن يحقق له سُؤْله،. فالمؤمن لا يستكبر على الله ، والمؤمن لا يأنفُ من رفعِ حوائجه إلى الله سبحانه وتعالى .
وقال الله سبحانه عن العباد: التكبر والأنَفَة والإعراض يكون عن عبادة الله سبحانه وتعالى ، والدعاء هو العبادة ، كما جاء في الحديث الذي يرويه مجموعة من الأئمة كالإمام الترمذي والإمام أبي داوود عن سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنه ، أن رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم قال: " الدعاء هو العبادة " . ثم تلا قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]فاطر-٦٠[. يستكبرون عن عبادتي ، أي : عن دعائي والتضرع إليّ.
أيها الإخوة المؤمنون في كل زمن تظهر أسلحةٌ فتاكةٌ على مستوى الأرض والجو والبحر، وتتنافس الدولُ في صناعةِ هذه الأسلحة وتطويرِها ، حتى وصلوا إلى أسلحة الدمار الشامل، ويخشى كلٌّ من الشرق والغرب سلاح الآخر، لكنَّ هناكَ سلاحاً أعظم من هذه الأسلحة، إنه سلاحٌ لا يملكه إلا المؤمنون الصادقون المخبتون المطيعون المتوكلون على الله سبحانه وتعالى. إنه سلاح الدعاء ، إنه سهام الليل التي تصيب ولا تخطِئ ، وخاصةً إذا تحرَّى المؤمنُ آداب الدعاء، وسأل الله بصدقٍ وافتقار وتذلل ، متحلياً بآداب الدعاء ، ومتعرضاً لنفحات الله سبحانه وتعالى ، ولعلَّ من أهم آداب الدعاء أن يبحث المؤمن عن الأوقات الشريفة التي يُستجاب فيها الدعاء كيومِ عرفة من السنة، وشهر رمضان من بين الشهور، ويوم الجمعة من بين أيام الأسبوع، وبين الأذان والإقامة، وعند السحر، وعند نزول الغيث، كل ذلك من الأوقات والأزمنة الشريفة ، التي ينبغي للمؤمن أن يتعرَّض فيها للدعاء.
يقول النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم فيما يرويه الإمامان البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله : "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلمٌ يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاهُ إياه. قال : وهي ساعة خفيفة" أي : وقتها محدود، زمنها يسير، في كل يوم جمعة ساعةٌ يتعرَّض فيها المؤمن إلى ربه ، فيستجيب الله له الدعاء ويلبي له النداء ، فعلينا - أيها الإخوة - أن لا نغفل عن هذه الساعة التي تركها رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم مبهمةً غير محددة الزمن حتى ينشغل الناسُ في العبادة ، خلال هذا اليوم المبارك ، وإن كان بعض أهل العلم أشار إلى أنها ساعةٌ قبيل غروب الشمس ، حيث يكون الناس في حالة غفلة عن الله تعالى وعن الذكر وتلاوة القرآن. في هذه الساعة من يتعرض إلى الله تعالى بالدعاء ، ويتجه إليه بالنداء ، فإن الله تعالى يعطيه سُؤْلَه. فلنبذل كل ما في وسعنا لكي ندرك هذه الساعة قبلها وبعدها وخلالها ، بالالتجاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم أيضاً عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له" . حين يبقى ثلث الليل الآخر ، أي : قبيل الفجر ساعة السَحَر ، يتنزل الله فيها إلى السماء الدنيا نزول رحمة حتى يطلع الفجر ، وفي ذلك رحمةٌ عظيمةٌ من الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة .
قال تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ]السجدة- 16[ .
تتجافى جنوبهم ، أي : أنهم في لحظات السحر ينهضون من فرشهم ، ويتخلون عن راحةِ أبدانهم، ويتركون لذة نومهم ، ويقبلون إلى الله سبحانه وتعالى في ساعةٍ لا يقبلُ فيها إلا المؤمنون. وأما الظالمون والطغاة والعصاة والمفرطون والمقصرون فهم في غفلةٍ ساهون لاهُون معرضون عن الله تعالى .
أيها الإخوة: لعل من أهم آداب الدعاء التي ينبغي أن يتعرف عليها المؤمن: المواضع التي يستجاب فيها الدعاءكحالة السجود، فأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد. وقد أخبرنا النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم عن هذا المعنى بقوله: "فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل, وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمِنٌ أن يستجاب لكم" أي حقيق وجدير أن يستجاب لكم حينما تسألون الله تعالى وأنتم ساجدون.
والأهم من ذلك كله الإخلاص في الدعاء، ومعنى ذلك أن يعرض الإنسان عن كل قوةٍ في الأرض ، فلا يرى لها تأثيراً ولا يرى لها عظمةً ، فمن العظمة - أيها الإخوة - أن نجعل راية الله أكبر في قلوبنا، وليس أن نجعلها رايةً من خلفنا، فإذا ما اعتزّ المؤمن بالله تعالى فإنه ينتصر ويُستجاب له الدعاء ، وإذا ما اعتز المؤمن بالله تعالى اعتزازاً عظيماً في حالة الرغبة والرهبة فإنه يكون من أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى.
يقول نبينا عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة , واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه".
و من أهم المواضيع في أدب الدعاء إلى الله تعالى أن يُسبَق الدعاءُ بالتوبة، وأن يُسبَق برد المظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها. وقد أخرج الإمام الطبراني عن سيدنا أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء" أي : من تعرَّف إلى الله في الرخاء عرفه الله في الشدة. ولعلنا عند الرخاء نعود إلى الله تعالى بالاستغفار والتوبة ، وبرد المظالم إلى أصحابها ، حتى تكون قلوبنا نقيةً ، فإذا قلنا يارب ، قال لنا الله  لنا : لبيك عبدي سل تعطَ ، فأنت لست ظالماً ولست طاغيةً ولست معتدياً على حق أحد.
قال سفيان الثوري: "بلغني أن بني إسرائيل قُحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال, وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون ، فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام ، لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء ، وتكلَّ ألسنتكم من الدعاء ، فإني لا أجيب لكم داعيًا, ولا أرحم لك باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها, ففعلوا ، فمطروا من يومهم ".
أيها الإخوة : لعلنا جميعاً نذكر قول رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم لسيدنا سعد وقد قال له: "أطب مطعمك تستجب دعوتك".وفيها خلاصة آداب الدعاء ألا وهو أكل الحلال ، وأن يستغنى المؤمن عن أكل الحرام والشبهة، فإذا وجد الحلال أكل منه ، وإذا لم يجده تعفَّف .
أخيراً - أيها الإخوة - أروي لكم هذه القصة التي رواها سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن رجل من الأنصار يُكنى أبا مِعْلَق، وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق وكان ناسكاً ورعاً، فخرج مرة فلقيه لص مقنَّعٌ في السلاح فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك، قال ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال. قال: لست أريد إلا دمك . قال: أما و قد أبيت فذرني أُصلي أربع ركعات، قال: صلِّ ما بدا لك ، قال: فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال : "يا ودود يا ذا العرش المجيد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثنييا مغيث أغثني" ، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة ، فطعنه بها  فقتله. ثم أقبل إليه فقال: قم . قال: من أنت ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم .
قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة ، دعوت بدعائك الأول ، فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجةً. ثم دعوت بدعائك الثالث ، فقيل لي: دعاء مكروب ، فسألت الله تعالى أن يُوليني قتله .
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى ، أسأل الله تعالى بسر هذه الدعوات، أسأل الله تعالى باسمه الأعظم، باسمه الودود ، وبكل صفةٍ هي له، أن يفرج عنا، وأن ينفس عنا كربنا ، وأن يقضي لنا حوائجنا ، وأن يؤامننا في أوطاننا، فقد اشتد الكرب علينا. اللهم فاستجب دعاءنا..
 اللهم إنا نرفع إليك أكف الضراعة بتذلل وافتقار والتجاء يا رب العالمين. يا غياث المستغيثين يا الله ، أجب دعاءنا وفرج الكربة عن هذه الأمة ..
اللهم ورد إلينا أمننا واحفظ علينا ديننا ، واحفظ علينا أعراضنا واحقن دماءنا ودماء المسلمين يا رب العالمين ..
يا غياث المستغيثين أجب أمة حبيبك محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم ... فإنك تقدر ولا نقدر وتعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب..
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ، فيا فوز المستغفرين...
 
 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 5178

 تاريخ النشر: 16/04/2012

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 8

: - عدد زوار اليوم

7398455

: - عدد الزوار الكلي
[ 58 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan