::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

آداب العيد وأحكامه...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحمد لله الذي هدى أمة الإسلام سبيلها الأقوم، وألهمها رشدها وخصّها بفضل لم يكن لمن قبلها.

^ رمضانُ ولّى مُسرِعـا .. فاذرف عليه الأدمُعـا:

        ها نحن اليوم نودّع شهر رمضان؛ شهر الرحمة والبركة والخيرات، شهر السعة في الرزق والإحسان...

قبل أيام هلّ علينا هلال رمضان، واليوم تصرّمت أيامه وانقضت.. ها هي صفحات الأيام تُطوى، وساعات الزمن تنقضي.. بالأمس القريب استقبلنا حبيباً، ضيفاً عزيزاً، واليوم نودعه.. بالأمس القريب كنا نقول: "أهلاً بك رمضان!"، واليوم نقول: "وداعاً يا رمضان!". نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامه وقيامه، وأن يجعلنا من عتقائه من النيران، وممن أكرمهم الله سبحانه وتعالى، فرَضيَ عنهم وقبل طاعتهم، وأعتق رقابهم ورقاب آبائهم وأمهاتهم من النيران.

ها هو شهر رمضان قد ولّى، والعين تذرف الدموع حزناً عليه...

رمضانُ ولّى مُسـرِعـا

لِلصـائمينَ  مُـوَدّعـا

عـاد الكـريم لـربـه

فاذْرفْ عليهِ  الأَدْمُعـا

^ العيد شعيرة من شعائر الإسلام:

أخي القارئ! أخي المؤمن! أطلق بصرك يوم العيد لترى هذه الأمة المرحومة، المغفور لها بإذن الله، تتعبّد الله عز وجل بالفطر كما تعبدته من قبلُ بالصيام. جاء في الحديث عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا قدِم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين فقال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما؛ يوم الفطر، ويوم الأضحى". سنن النسائي (المجتبى).

العيد شعيرة من شعائر الإسلام، ومظهر من أجلّ مظاهره، تهاونَ به بعض الناس، فقدّموا الأعياد المُحدَثة عليه، فترى من يستعد لأعياد الميلاد وغيرها، ويفرح هو وأطفاله بقدومها، ويُشعِل الشموع ويُطفِئها، ويصرف الأموال لإحياء هذه الأعياد، أما أعياد الإسلام فلا قيمة أو فضل لها عند كثير من الناس، وقد تمر ويُعرضون عنها ولا يلتفتون إليها، وهي من أعظم شعائر الله سبحانه وتعالى القائل:[]ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[] سورة الحج (32).

        يوم العيد يوم فرحٍ وسرور لمن طابتْ سَريرتُه وخَلَصتْ لله نيّتُه، فليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد، وسكب الدمع تائباً رجاءَ يومِ المزيد.

^ آداب العيد وأحكامه:

        أخي المؤمن! تعالَ معي لنقف وقفات موجزة مع آداب العيد وأحكامه، ولنتبيّنْ أهم الأشياء التي ينبغي أن نحرص عليها في يوم العيد:

أ- شكر الله تعالى على إتمامه رمضان علينا:

لنحمدِ الله سبحانه وتعالى أنْ أتمَّ علينا أيّامَ هذا الشهر العظيم، وأنْ أكرَمَنَا فجعلنا ممن صامه وقام ليله، ولْنكثرْ من الدعاء بأن يتقبّل الله منا الصيام والقيام، وأن يتجاوز عن تقصيرنا وزَلَلِنا، فربما زلّت بنا القدم بقصدٍ أو بغير قصد، فلْنستغفرِ الله سبحانه وتعالى مع وداع آخـر شمسٍ في أيام رمضان، ولْنودّعْ بالحمد والتوبة شهرَ الكرم والإحسان...

ب- الإكثار من التكبير:

فالسنةُ أن نكثر من التكبير جَهراً من بعد غروب الشمس ليلةَ العيد إلى صلاة العيد؛ عملاً بقوله سبحانه وتعالى:[]...وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[] سورة البقرة (185). وللتكبير صفةٌ مسنونةٌ وردت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلا، لا إله إلا اللهُ وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".

يُسَنُّ أن يجهر الرجال بهذه الصيغة في التكبير في المساجد، والأسواق، والبيوت والطرقات؛ إعلاناً بتعظيم الله سبحانه وتعالى، وإظهاراً لعبادته وشكره.

جـ- إخراج صدقة الفطر:

شرعها الله سبحانه وتعالى صدقة الفطر لتكون في ختام شهر رمضان

1- لماذا صدقة الفطر؟

صدقة الفطر طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةٌ للمساكين.

2- ما مقدارها؟

وهي نصف صاع من قمح، أو صاعٌ من تمرٍ أو شعيرٍ أو زبيبٍ، أو مما يسميه الفقهاء بـ "غالب قوت البلد" كالأرزّ مثلاً.

3- عمّن يتمّ إخراجُها؟

تُخرَجُ عن الصغير، والكبير، والذكر، والأنثى، والحر والعبد من المسلمين.

4- ما أفضل وقت لإخراجها؟

أفضل وقت لإخراج صدقة الفطر هو قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيومٍ أو يومين، وإن أخرجها خلال أيام رمضان أجزأتْه إن شاء الله تعالى، ولكن لا يصحّ تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد؛ فهي صدقة من الصدقات العاديّة لمن قدّمها بعد صلاة العيد. وينبغي أن يتحرّى الصائمُ المساكينَ والفقراءَ وأصحابَ الحاجة ليقدّمها إليهم.

5- مشاركة الابنِ في تقديم الصدقة منذ الصغر تدريبٌ له على عمل الخير:

ما أروع ذلك المشهد الذي يصوّر لنا الرجل يدفع الصدقة إلى أبنائه الصغار ليشاركوه في تقديمها بأيديهم؛ تعويداً لهم على إخراجها. وفي هذا عمل طيب وصفه أحد الشعراء بقوله:

ويَنْشَأُ ناشِـئُ الفِتْيانِ منَّـا       على ما كانَ عـوّدَهُ أبـوهُ

وما دانَ الفتى بِحِجَىً ولكنْ       يُعـَوِّدُهُ التَّـدَيُّنَ أَقْرَبـوهُ

فيتدرب على هذا الجانب العظيم من الجوانب التي تكفل حياةً سليمة في المجتمع، أو ما عبّر عنه بعض أهل العلم بقولهم: "التكافل الاجتماعي أحد أهم ثمرات الزكاة والصدقة في شريعتنا المحمدية السمحة".

ء- صلاة العيد:

        ويُسن الاغتسال والتطيب للرجال الذين سيحضرون صلاة العيد، كذلك يُسن لهم أن يلبسوا أفضل الثياب وأجملها وأحسنها، دونما إسرافٍ ولا خُيَلاءٍ ولا كبرياء.

        أما المرأة فيُسن لها الخروج إلى مصلى العيد دون تبرج أو تطيب أو زينة، ولْتربأِ المسلمة بنفسها أن تذهب لطاعة الله وهي متلبّسةٌ بمعصية كالتبرج والتطيب والتزين أمام الرجال. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد وحضور خطبة العيد التي فيها خير عام للمسلمين، ولأن الرحمات من الله سبحانه وتعالى تتنزّل على من يشهد صلاة العيد رجالاً ونساء، صغاراً وكبارا. وكان النساء يعتزلن المصلى.

فلا بد أن نحرص على المشاركة بالقدر الأوفى من أبنائنا وبناتنا في صلاة العيد؛ حتى نحضر البركة، ولنفوزَ بالجائزة؛ فيوم العيد سمّي في الأرض "عيداً" وفي السماء "يوم الجائزة"، حيث يلتقي الملائكة على أبواب الطرق مع المسلمين الصائمين فيقولون لهم: "ها قد صمتم وعبدتم ربكم وأطعتموه، فاقبضوا جوائزكم".

هـ- أكل تمرات وتراً:

        أن يأكل تمراتٍ وتراً ثلاثاً أو خمساً... قبل أن يذهب إلى مصلى العيد اقتداءً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحضر صلاة العيد مع الخطبة مع المسلمين، وخطبة العيد - كما رجّح المحققون من أهل العلم – واجبةٌ لا تسقط إلا بعذر

و- مخالفة الطريق:

        أن يذهب من طريق إلى مصلى العيد ويرجع من طريق آخر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بأس أن يهنّئ من لقيه في المسجد أو الشارع فيقول له: "تقبل الله منا ومنكم"، وقد درج اليوم عادة بين الناس أن يقول أحدهم للآخر: "كل عام وأنتم بخير". فلا بأس بهذه الصيغ التي فيها تهنئة من المسلم لأخيه المسلم يُدخِل بها السرور على قلبه عملاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

^ مخالفات يرتكبها الناس يوم العيد:

هناك بعض المخالفات التي يقع بها الناس يوم العيد وليلته وسائر أيامه، والعجب كل العجب أن يختم بعض المسلمين هذه الطاعة بالمعاصي، وأن يستبدل البعض الآخر اللهوَ والعبث والغفلة عن الله تبارك وتعالى بالاستغفار في نهاية كل عبادة.

أ- الاعتقاد بأن زيارة القبور مقصورة على يوم العيد:

        بعض الناس يظنون أن زيارة المقابر والدعاء لأصحابها مقتصر على يوم العيد. لا شك أن زيارة المقابر مشروعة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تذكّركم بالآخرة". الإحكام للآمدي. لكن لماذا يخصص بعض الناس يوم العيد فقط لزيارة المقابر ويهملها سائر أيام السنة؟!

ب- الغناء والاختلاط المحرّم وغير ذلك من المعاصي:

كثيرٌ من النساء والرجال لا يتورّعون عن الاختلاط في أيام العيد، في المصليات والشوارع والمطاعم والمتنزّهات، مع تخلٍّ عن الحشمة إلى حدّ ما.

نذكّر بضرورة مراعاة هذا الجانب، فيوم العيد هو يوم طاعة وفرح وقرب من الله سبحانه وتعالى، فلا يحوز أن نخلطه بالمعصية وما يغضب الله تعالى.

فئة من الناس يجتمعون في العيد على الغناء واللهو والعبث ومعصية الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يجوز في حال من الأحوال، وإذا سألت أحدهم عن سبب هذا الفعل يقول إنه يوم عيد!

جـ- لهو الأولاد دون مراقبة الأهل:

إنّ أكثر ما يُؤسف له أن أبناءنا وشبابنا الصغار يقضون أيام العيد في الملاهي والمسارح والسينما وغير ذلك من أماكن اللهو بعيداً عن مراقبة الآباء والأمهات. وما حصّله المسلم في هذا اليوم من الطاعات والخيرات والقربات ربما أضاعه يوم العيد باللهو والغفلة والإعراض عن الله سبحانه وتعالى وذكره، والله سبحانه وتعالى حذّرنا من هذا بقوله:[]...وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[] سورة طه (124). فلْنتنبّهْ إلى أبنائنا؛ ماذا يفعلون في العيد، علينا أن نراقب تصرفاتهم.

ء- الإغراق في المباحات:

من أخطر ما يفعل الناس في العيد أنهم يُغرِقون في المباحات من لُبسٍ وأكلٍ وشربٍ، حتى يتجاوز الأمر إلى السرف. الله سبحانه وتعالى أباح لنا الأكل والشرب والزينة فقال:[]...وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[] سورة الأعراف (31). لكنه اشترط بعدها ألا نقع في الإسراف فقال:[]...وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[] سورة الأعراف (31).

هـ- المبالغة بالفرح في العيد أمام من ألمّت بهم مصيبة:

بعض الناس في العيد لا يُبالون بالفرح المطلق، وينسون أن لنا إخوة وأحبابا، وربما كانوا جيراناًً وأصدقاء قد فقدوا في شهر رمضان أعزاءَ عليهم من أهلهم وأرحامهم، فلنقتصد في إظهار الفرح أمامهم، ولنكن معهم في التزاور، وفي إدخال الفرح على قلوبهم بالكلمة الطيبة وبالإحسان إليهم، ولْنعلمْ أن لنا إخواناً في فلسطين والعراق وأماكن أخرى من العالم الإسلامي مضطهَدون معذَّبون حتى في يوم العيد، لا يجدون من يُدخِ البسمة والفرحة على قلوبهم. فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وأصبحوا بلا مأوى، ولا لباس ولا حلوى...

و- إظهار الفرح بانتهاء رمضان لاعتقاده حِمْلاً ثقيلاً بعباداته:

من أخطر ما نشاهده عند الناس أنهم يُظهِرون الفرح في العيد لأن شهر رمضان قد انتهى، وتخلّصوا من العبادة فيه، ولأن رمضان كان حِمْلاً ثقيلاً على ظهورهم. وهذا خطر كبير.

ز- ترك العبادة بانتهاء شهر رمضان:

بعض الناس ينقطعون عن العبادة بعد رمضان، وكأنهم نسوا أن ربَّ رمضان هو ربُّ شوال، وهو رب سائر الشهور، لذلك قال أحد الدعاة: "كن ربانياً، ولا تكن رمضانياً". فلْنستمرَّ على الطاعة بعد رمضان، ولْنَثْبُتْ على هذا الدين حتى نلقى الله سبحانه وتعالى، ولنكنْ من المستقيمين في كل أحوالنا وسائر أمورنا، ولْنعلمْ أن نهاية وقت الطاعة والعبادة ليس مدفعَ العيد كما يتوهم بعض الناس! فنهاية وقت الطاعة بيّنه الله سبحانه وتعالى بقوله:[]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[] سورة الحجر (99). واليقين هو الموت. ويقول بعض السلف رحمهم الله تعالى: "ليس لعمل المسلم غاية دون الموت". يُروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان يخطب على المنبر، فقرأ قوله تعالى:[]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[] سورة فصلت (30). ثم قال رضي الله عنه: "استقاموا بطاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعالب". هذه الاستقامة الحقيقية في رمضان وبعد رمضان، وهكذا تكون العبادة، وهكذا تكون المداومة عليها. وعن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليها وسلم قال: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ". صحيح مسلم.

^ العبادات لا تنقضي بانقضاء رمضان:

أيها الإخوة القراء! إذا ودّعنا شهر الطاعة والعبادة وموسم الخير وأيام العتق من النار، فإن الله عز وجل جعل لنا من الطاعات والعبادات ما تهنأ به نفس المؤمن وتَقرُّ به عينه من أنواع النوافل والقُرُبات طوال العام, يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (("وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه")). فالنوافل والقربات بابها مفتوح وواسع خلال أيام السنة كلها، ومن أبرز ما يحرص المؤمن عليه في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى خلال أيام السنة:

أ- الصيام:

كصيام ستٍ من شوال, فشوال هو الشهر الذي نستقبله بعد انتهاء رمضان. جاء في الحديث عن سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليها وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". صحيح مسلم. فلنُلحِقْ رمضان أيها الإخوة بستةِ أيامٍ من شهر شوال؛ حرصاً على فضلها؛ وعملاً بسنة النبي صلى الله عليها وسلم. ومن كان عليه قضاء من أيام رمضان رجالاً أو نساءً فالأَولى أن يقدّم القضاء؛ لأنه أوجب، ثم يصوم الأيام الستة النافلة, وكذلك صيام الأيام البيض وصيام يوم عرفة لغير الحاج وصيام أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع. هذا من حيث الصيام.

ب- القيام:

قيام الليل سنة مشروعة، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن فضل قيام الليل فقال: "ركعتان في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما فيها". والله سبحانه وتعالى وصف القائمين في الليل بقوله:[]تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...[] سورة السجدة (16). والقيام في الليل له طعمٌ ومذاقٌ متميز لا يعرفه إلا من جربه, ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف. اللهم! اجعلنا ممن يقوم الليل ويتذوق في الليل لذة المناجاة، وفي الأسحار لذة الخطاب مع الله سبحانه وتعالى.

ربنا سبحانه يقول:[]كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[] سورة الذاريات (17). هؤلاء هم خيرة خلق الله، الذين خلوا بالحبيب فاكتسبوا من نوره.

جـ- المحافظة على السنن الرواتب:

التي نستجلب بها شفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليها وسلم يوم القيامة، والتي أُلحقت بالفرائض، وهي اثنتا عشرة ركعة؛ أربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.

ء- قراءة القرآن الكريم:

فالقرآن وتلاوته وتدبر آياته ليس مقتصراً على رمضان، بل علينا أن نحرص على ذلك كل يوم ولو جزءاً واحداً، أو صفحة واحدة لمن لا يستطيع المداومة على القراءة.

هـ- الدعاء:

ينبغي ألا يفوتنا أمر عظيم وهو الاستمرار في الدعاء، والتضرع والتذلل إلى الله سبحانه وتعالى أن يحيينا على الإسلام ويميتنا عليه، وأن يثبّتنا على كلمة التوحيد، فمن دعاء نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك". صحيح ابن حبان.

و- طاعات أخرى:

فلنحرص على أعمال البر والطاعات والقربات، ولنستقِم عليها ولو قلّت، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالاستقامة فقال:[]فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ[] سورة هود (112).

لا شك أيها الإخوة أن الطاعات كثيرة وأجرها عظيم، فلنحرص عليها بأنواعها؛ لأن الله سبحانه وتعالى بشرنا بالأجر الكبير العظيم إذ يقول:[]مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[] سورة النحل (97). لنحرصْ على الاستمرار في الأعمال الصالحة قبل أن يفاجئنا الموت ونحن على غير طاعة، ولنستحضر في ذهننا على الدوام أن من علامات قبول العمل في رمضان الاستمرار على الطاعة بعده، فالحسنة تتبعها الحسنة، والسيئة تجر السيئة.

أيام العيد ليست أيام لهو وغفلة، بل هي أيام عبادة وشكر، والمؤمن يتقلب في أنواع العبادة ولا يعرف حدّاً لها. ومن تلك العبادات التي يحبها الله ويرضاها صلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وترك التباغض والتحاسد، والعطف على المساكين والأيتام، وإدخال السرور على الأرملة والفقير، ولنتأملْ في دورة الأيام وسرعة انقضائها، ولنفزعْ إلى التوبة إلى الله وصدق الالتجاء إليه، ولنوطّنْ أنفسنا على الطاعة، ولنَلزَمْ العبادة، فإن الدنيا أيام قلائل لا تلبث أن تنقضي، ولنعلم أيها الإخوة أن قلب المؤمن لا يهدأ ولا يسكن روعه حتى تطأَ قدمُه الجنة، فلنسارعْ إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، ونجنب أنفسنا ناراً تلظّى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى، ولنعملْ بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَدِّدوا وقارَبوا، وأبشروا، فإنه لن يُدخل الجنةَ أحداً عملُه". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل". صحيح مسلم.

فلنحرص على العمل الصالح، وعلى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في يوم العيد، ولنختم عبادتنا - عبادةَ الصوم - بالإقبال على الله سبحانه وتعالى، ولْنَتَبَتَّلْ إليه ولنتضرع أن يجعلنا سبحانه وتعالى ممن قبَِل صومَهم، وأعتق رقابهم، وأخلف عليهم نفقتهم. اللهم! ثبتنا على الإيمان والعمل الصالح، وأحيِنا حياةً طيبة، وألحقنا بالصالحين، ربنا! تقبَّلْ منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

^ المؤمن ينتقل من طاعة إلى طاعة:

أيها الإخوة القراء! هذا آخر أيام شهر رمضان، نستقبل بعد ذلك شهر شوال، شهر العبادة، وشهراً يعد بداية لأشهر الحج، فالمؤمن ينتقل من طاعة إلى طاعة، ومن عبادة إلى عبادة، فهو كالحالّ المرتحل، لا يترك عملاً طيباً إلا شرع بعمل طيب، فاللهم! لك الحمد على نعمة الإسلام، لك الحمد على نعمة القرآن، لك الحمد على أن جعلتنا من أتباع سيدنا محمد النبي العدنان عليه الصلاة والسلام.

^ دعاء:

أيها الإخوة الأحباب! مع آخر أيام شهر رمضان أسال الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المخلصين في أقوالنا وأعمالنا، ولا تنسونا أيها الإخوة من دعوة صالحة في ظهر الغيب، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، والمؤمن أخو المؤمن، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ودعاء المسلم لأخيه في ظهر الغيب يستجاب بإذن الله تعالى، فلا تنسونا من هذه الدعوة الصالحة التي تلجؤون فيها إلى الله بعيدا عن الرياء، لا يسمعكم أحد إلا المولى سبحانه وتعالى. لندعُ الله أن يثبت قلوبنا على الإيمان، وأن يحفظنا في أوطاننا وفي أنفسنا، وأن يديم علينا الصحة والعافية، لنقدّم الطاعة لله سبحانه وتعالى بأنواعها كما أمرنا حتى ندرك رضا الله تبارك وتعالى.

اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك. اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائبَ الدنيا. اللهم! متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم! إنا نسألك الفردوس الأعلى، ومرافقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة. اللهم! آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. نعوذ اللهم بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن طَرْف لا يدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها. اللهم! إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك. نعوذ بك من جَهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. ربنا! لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. نسألك الحسنى وزيادة، اللهم! أظِلَّنا تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. اللهم! لا تختم لنا شهر رمضان إلا وقد غفرت لنا وللإخوة القراء الصائمين. اللهم اغفر لنا ولهم، ووفقنا ووفقهم باتّباع دينك وسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

وكل عام وانتم بخير

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 4435

 تاريخ النشر: 07/09/2010

2010-09-08

غسان

كل عام و أنتم بخير سيدي أبو منار .... ولا يكون العيد عيداً جميلاً إلا برؤياك ....أسأل الله عزوجل أن يرزقني الجلوس معكم ولو لوقت قصير . طالبكم المحب غسان.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 614

: - عدد زوار اليوم

7447005

: - عدد الزوار الكلي
[ 51 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan