::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

الحب في الميزان الشرعي ...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان "المشرف العام"  

 

"الحبّ في الميزان الشرعي"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، وفهّمنا فم النبيين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

ما مفهوم كلمة «الحب»؟ وما مصدر انتشارها؟ وهل لها في ثقافة المسلمين أو تاريخهم أو حياتهم أيُّ تأثير؟ وهل الحب في الإسلام ممنوع؟ وكيف يكون هذا الحب مشروعاً فيما بين المسلمين رجالاً ونساء؟؟؟

 

^ مشروعيّة "الحب في الله" في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:

إن المصدر الرئيس في ذلك هو قول الله سبحانه وتعالى:[]الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[] سورة الزخرف (67). الأخلاء هم الأصدقاء والأصحاب والإخوة، فمنهم من تكون أخوّتهم لمصالح ومنافع، فإذا ما انتهت مكاسبهم ومصالحهم انقطعت بينهم المودة والصحبة، هذا هو النوع المذكور في الآية الكريمة؛ حيث يُعلنون العداوة لبعضهم يوم القيامة، وورد عند بعض المفسرين أن بعضهم يلعن بعضا. أما النوع الآخر فهو الذي استثناه الله سبحانه وتعالى، وهم الأصحاب المتآخون في الله، هم الأخلاء المتقون، يتقون الله في صلتهم وعلاقاتهم وأخوّتهم، وأولئك على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والصدّيقون والشهداء.

جاء في الحديث القدسي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة قال: "وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ". الإمام مالك في الموطأ. الله سبحانه وتعالى منح محبته للمتحابين فيه، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن في الله لأنه يرى فيه خلقاً حسناً، يراه مستقيماً في العبادة والمعاملة والسلوك. وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يُظِلُّهم الله في ظله يوم لا ظّل إلا ظله......... ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه". متفق عليه. هؤلاء الذين أعلنوا حبهم فيما بينهم لله، فـالرجال أحبّوا الرجال في الله، والنساء أحببن النساء في الله، هؤلاء يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله، وهذا الظل يبحث عنه كل مؤمن. وقد جاء أيضاً في حديث صحيح: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". صحيح مسلم. إن الله تعالى يسأل عن أولئك المتحابين؛ ليبرزهم، ويكرّمهم، ويجعلهم كالشامة بين الناس.

فالمتحابون في جلال الله يلتقون في الله ويفترقون عليه، وحتى إذا أبغضوا يكون بغضهم لله، فعندما يُبغضون إنساناً يبغضونه لأنهم يرونه بعيداً عن شرع الله، لا يلتزم بأوامره، ولا يبغضون ذاته. فقد قال أحد الشعراء قديماً:

ألِأنّي أنا شيعي وليلى أموية       فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية

فحتى لو كنا مختلفين في العقيدة والانتماء والمذهب فلا ينبغي أن تكون بيننا عداوة.

إن الله تعالى في هذا الحديث "أين المتحابّون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". يبرز مكانة المحبة والمتحابين فيه سبحانه. فالحب في الله قائم ومشروع ولا بأس به، بل نحن مدعوّون إليه، يحضّنا عليه القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الله سبحانه وتعالى في وصف الأنصار ومحبتهم للمهاجرين:[]وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا...[] سورة الحشر (9). أي إذا أمكن الله المهاجرين وأمتعهم بشيء من النعم بعد أن فارقوا ديارهم وأموالهم وأهليهم فإن الأنصار لا يجدون في صدورهم شيئاً على إخوانهم من المهاجرين، لذلك امتدح ربنا سبحانه وتعالى الأنصار بخصلتين؛ الإيمان، وكونهم أصحاب دار وهي المدينة المنورة، لهذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار: "من أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". متفق عليه. وهذه دعوة إلى التحابب فيما بين المسلمين كحب الأنصار للمهاجرين، وحب المهاجرين للأنصار، وقد توثقت عُرى هذه المحبة فيما بينهم بعد أن آخى النبي عليه الصلاة والسلام فيما بينهم فقيرهم مع غنيهم، سيدهم مع عبدهم، فتحولوا إلى كتلة واحدة، وقوة ضاربة في الأرض، استطاعت أن تنقل الإسلام إلى كافة بقاع الأرض بشرقها وغربها.

إن هذه المحبة الصادقة فيما بين المسلمين مع بعضهم هي سببٌ ظاهر من أسباب دخول الجنة. فـإن أراد أحدنا أن يمهّد الطريق إلى الجنة فَلْيُحِبَّ في الله، وليحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وَلْيَرْجُ لهم الخير كما يرجوه لنفسه. فإن أكرم الله تعالى الإنسان بخصال خير فأحب هذه الخصال لأخيه أو جاره أو صديقه، وتمنى لهم مثلما تمنى لنفسه، فهذه من علامة الإيمان. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". صحيح مسلم. بعض الناس يستسهلون قضية السلام، لكن السلام يكون مدخلاً إلى القلوب، فالمسلمون يتحابون فيما بينهم بإفشاء السلام. وقد ورد في الأثر: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". متفق عليه. والسلام معناه الطمأنينة، والسكينة، والمودة، والرحمة، والمحبة والصلة، فحينما تقول لأخيك: "السلام عليكم"، فكأنك قلت له: أنت في أمان مني. وعندما يرد عليك بقوله: "وعليكم السلام" فكأنما هو يقول: وأنت أيضاً بأمان مني.

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ رضي الله عنه: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم عليها النبيون والشهداء". سنن الترمذي.

^ ماذا تستلزم المحبة في الله تعالى؟

أ- إعلام من تحب في الله بتلك المحبة:

أخذ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيد سيدنا معاذ رضي الله عنه وقال له: "يا معاذ! والله إني لَأُحبك". صحيح ابن حبان. فهل نجد أروع من هذه المصارحة وتلك الشفافية؟! لقد كان سيدنا معاذ سفيرَ سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكثيراً ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يرسله لينقل رسالته إلى الأمم والأقوام، فكان سيدنا معاذ ينقل هذه الرسالة أحسن ما كان عليه السفراء، ويؤدي الأمانة بصدق. فإن قال لك أخوك: "إني أحبك في الله". فقل له: "أَحبَّك الله الذي أحببتني فيه". فإن انطلقت محبتنا لبعضنا لله وفي الله ومن أجل الله فإنها تدوم.

ب- النصح والإرشاد بين الإخوة المتحابين في الله:

إن المُحِبَّ في الله يدل أخاه على الخير، ويعينه على نوائب الدهر، ويقف إلى جانبه في الملمات والمصائب. لذلك قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أعلن لسيدنا معاذ المحبة: "أوصيك ألا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". صحيح ابن حبان.

^ قصة وحقيقة ما يسمى "عيد الحب":

إن بعض المظاهر الاجتماعية التي انتشرت اليوم هنا وهناك لا تعكس هذا المعنى الأصيل للمحبة، فإذا أراد بعض الناس اليوم أن يعبّروا لإخوانهم وأصدقائهم وأحبابهم عن المحبة يقدّمون لهم وردة حمراء، وهل تعبّر عن حبك لأخيك بوردة حمراء؟! إن هذه البدعة والثقافة المستوردة من الثقافة الغربية الفاسدة بدأ بعض أبناء المسلمين يطبقونها في حياتهم، لذلك ظهر في زماننا ما سمِّي بـ "عيد الحب". إن هذا العيد قد حاربه رجال الكنيسة في أوربة، أتدرون لماذا؟ لأنه كان سبباً في انتشار الفاحشة، والرذيلة والموبقات بين الشباب والبنات. وإن عيد الحب هذا ليس - كما يتصور البعض - عبارة عن ورود وزهور ورياحين ولقاءات شريفة، لا!! لو بقي الأمر عند هذا لكان أهون بكثير، لكن قضية عيد الحب بدأت تترسخ جذورها في واقع كثير من بيوتات المسلمين دون أن يدركوا الخطر الشديد من ورائها.

قصة عيد الحب في الأصل هي مجموعة أساطير انتشرت، من أشهرها أنه خلال حكم الإمبراطورية الرومانية كان هناك إمبراطور سنة 270م يُقال له "كلاودييس الثاني"، وقد ثبت له بالتجربة والإحصاءات أن الشباب العزّاب أشد صبراً في الحرب من المتزوجين، لذلك أصدر قراراً بمنع أي عقد قران بين رجل وامرأة، لكنّ قسيساً يقال له "فالنتاين" عارض هذا القرار؛ لأنه وجد فيه إجحافاً شديداً بحق الرجال والنساء، فكان يعقد للرجال على النساء سراً، فشاع أمره، وكشف الإمبراطور "كلاودييس الثاني" هذه المسألة، فأمر بسجنه، فاتخذ المتحابون والعشّاق من ذلك اليوم يوماً للاحتفال به نصرةً لهذا القسيس، ثم تطوّر هذا الأمر، ولو بقيت القضية مناصرة إنسانية ووقوفاً إلى جانب ذلك الإنسان الذي كان يجمع بين المتحابين فيتزوجون بالحلال فلا بأس، لكن المسألة تحولت إلى لقاء بين العشاق على ما يُغضب الله سبحانه وتعالى، وصار هذا اليوم يوماً للقاء البنات والشباب بلا رادع أو ضوابط أو أخلاقيات، وتحولت هذه الأمور إلى ما لا تُحمَد عقباه.

^ يحتفلون به دون أن يعرفوا معناه!!

مما يُروى بين طلاب وطالبات المدارس أن فتاة صغيرة فاجأت صديقتها ذات صباح بزهرة حمراء وضعتها على صدرها، وقابلتها بابتسامة مشرقة وهي تقول لها: كل عام وأنتِ بخير! فقالت لها صديقتها: ما المناسبة؟! فأجابتها: ألا تعلمين أن هذا اليوم هو يوم عيد الحب، وأن الناس يحتفلون به ويتبادلون التهاني؟! فقالت لها: ولماذا عيد الحب؟ فقالت: هذا يوم الاحتفال بالحب والرومانسية والصدق، إنه يوم الفالنتاين! فقالت لها: وماذا تعني كلمة الفالنتاين؟ فقالت: لا أعرف! كل ما أعرفه أنه فالنتاين، أي حب ومشاعر وورود وليالٍ حمراء... ألم تَرَي البارحة ماذا عرضت القنوات الفضائية احتفالاً بهذه الليلة؟ لقد باتت طوال الليل تتكلم عن عيد الحب، وتعرض حفلات المغنين والمغنيات، وحجوزات الفنادق، ودور السينما، والمراكز العامة احتفالاً بهذا اليوم. فقالت لها تلك الفتاة الواعية المثقفة: "إني أرثي لحالك! تحتفلين بيوم وتفرحين به وأنتِ لا تعرفين معناه؟!! اذهبي وتعلّمي، واعلمي أن لهذا العيد قصة أسطورية لا أصل لها".

الرومان كانوا يُعنَون بالأساطير والخرافات، فهل يريد كثير من الناس في زماننا أن يبنوا ثقافتهم وتصرفاتهم على أسطورة وخرافة، وعلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى؟!

^ واجبنا في توعية شبابنا وتحذيرهم من التقليد الأعمى:

إن هذه العادات الغربية حينما تظهر في بعض المجتمعات الإسلامية - وأنا لا أعمم - فعلينا أن نبين لهم خطورتها، ونوضّح لهم أن علينا ألا نتأثر بما يأتي من الغرب من الثقافة الفاسدة، والأخلاق غير الصحّيّة المستوردة إلينا عبر الإعلام الذي يملكونه، ويسيطرون على قنواته، ويضخّون من أجله أموالاً طائلة وهائلة؛ حتى يفسدوا أخلاق شبابنا وثقتهم وإيمانهم بالله سبحانه وتعالى.

مشكلة الأشياء الوافدة إلينا من الشرق والغرب أشبه ما يكون بقضايا اليهود، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة مع بعض أصحابه إلى خيبر، فمرّوا بشجرة يعلق اليهود أسلحتهم عليها يقال لها "ذات أنواط"، فلما رأوها قالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (أرادوا أن يعلقوا عليها أسلحتهم)، فقال صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ[1] من كان قبلكم". سُنن الترمذي. الشاهد في هذا الحديث أنَّ كثيراً من الناس يرون كلَّ ما يأتي إليهم من الغرب مقدّساً، ينبهرون بالأضواء الغربية، وبهذه الفقاعات التي يبدو ظاهرها أمراً طيباً وحسناً، لكنها في الباطن تُخفي أشياء نتنة والعياذ بالله تعالى.

إن يوم الحب هذا - كما يدْعونه - هو فرصة للقاء الشواذ في العالم على مظاهر موحّدة لا تعني لهم شيئاً، فالوردة حمراء، والقبعة حمراء، والحذاء أحمر، والقميص أحمر، والحلويات لونها أحمر، حتى الأضواء والإنارة تتحول في تلك الليلة إلى أضواء حمراء، لم يبقَ شيء إلا وجعلوا لونه أحمر! فهل يقبل شبابنا المسلمون الذين يعتزّون بانتمائهم إلى دين عظيم هو خاتم الرسالات والشرائع السماوية، هل يقبلون أن يُماثلوا أنفسهم في تلك الليلة بأولئك الشاذين في العالم؟! هل تقبل ابنتنا وأختنا الفتاة المسلمة العفيفة الطاهرة الشريفة أن تماثل نفسها بأولئك الشاذات في العالم؟! لا واللهِ لا نقبل بهذا!! لا أحد يقبل بهذا! والظاهرة التي تنتشر اليوم فيما بين الناس (المسجات عبر الجوال) حيث تكثر رسائل التهنئة بهذه المناسبة، علينا أن نقاطعها. و لا أقول هذا تشدّداً أبداً! ولكن حتى لا تندرج تصرفاتنا في إطار المتأثرين بالثقافة الغربية الفاسدة التي تخرّب الأخلاق، وتسيء إلى مستقبلنا وانتمائنا.

الآن نلاحظ إعلانات وحمْلة مركّزة على هذا اليوم؛ مطربين ومطربات، احتفالات في الفنادق ذات النجوم الخمس، احتفالات في النوادي الليلية، كل هذا بمناسبة عيد الحب والعياذ بالله تعالى! فهل نستيقظ ونرى هذا الواقع الخطير، ونتناصح فيما بيننا، وننتبه إلى هذه الغفلة التي أصابت بعض أبناء المسلمين؟! هي دعوة ورسالة علينا أن نوصلها فيما بيننا.

^ الإسلام لا يحرّم الحب بل يشجّعه .. ولكن ضمن الضوابط الشرعية:

نحن لسنا ضد الحب، ولسنا ضد المتحابين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول المحبين، فقد كان يعلن محبته للسيدة خديجة رضي الله تعالى عنها، وكذلك للسيدة عائشة رضي الله عنها، والتي كانت تبادله هذه المحبة وتعبّر له عن محبتها له، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "لم يُرَ للمتحابَّين مثلُ النكاح". سنن ابن ماجة. فإذا أحب رجل امرأة فلْيتزوجْها، أمّا أن يلتقي بها هنا وهناك في الشوارع والحدائق والأماكن العامة، يتبادلان كلام الحب كما يفعل الشواذ في العالم، فهذا لا يليق بثقافة إسلامية، وأخلاق إسلامية، وأُسَر إسلامية لها هويتها وانتماؤها.

^ من قصص الحب في تاريخ المسلمين:

أ- قصة مغيث وبريرة:

مما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شفع لمغيث عند بريرة لما رأى تعلقه بها ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عباس: "ألا تعجب من حب مغيثٍ بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً؟"

 بريرة امرأة ذات جمال، وأما مغيث فكان عبداً أسود، قدّر الله لهما الزواج، ولكنها بعد فترة طلبت منه الطلاق فطلقها، وبعد أن طلقها ندم كثيراً، فكان يمشي في شوارع المدينة تسيل دموعه على خدوده، يتتبّعها من مكان إلى مكان، إلى أن رآه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يمشي في الطريق كأنه يهذي من شدة حبه وتعلقه ببريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة : "لو راجعتِهِ". قالت: "يا رسول الله، تأمرني؟". قال: "إنما أشفع". قالت: "لا حاجة لي فيه". صحيح البخاري.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان شفيعاً بين المحبين، وكان واسطة خير، ولم يرفض هذه العلاقة من الحب فيما بين الأزواج، فحب الأزواج لزوجاتهم شيء طيّب ودالٌّ على قوة وانسجام في المجتمع.

ب- قصة العاص بن الربيع والسيدة زينب:

لما خرج أبو العاص بن الربيع من مكة فراراً من الإسلام قالت له زوجته السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلينا، فواللهِ لست بمتّهمٍ عندنا". فقال لها: "واللهِ ما أبوكِ عندني بمتّهم ، وليس أَحَبَّ إليّ من أن أسلُكَ معكِ في شِعْبٍ واحد، ولكني أكره لكِ أن يقال: "إن زوجك خذل قومه، فهلّا عذرتِ وقدّرتِ؟". فإذا كانت علاقة الزوج مع زوجته على هذا النحو من الانسجام والمودة والمحبة فهذا دليل قوة.

^ إحصائيات حول عيد الحب:

هناك دراسة علمية تثبت أن نظام الرأسمالية في العالم لعب دوراً أساسياً في ترسيخ مفهوم ما يسمى عيد الحب؛ لأن نسبة المبيعات في العالم ارتفعت في أوربة وأمريكا واليابان بالملايين في هذا اليوم، وعلى سبيل المثال: إن إحصاءات المبيعات للهدايا في يوم عيد الحب - كما يسمونه - بلغت عام 2000م في أمريكا (2.6) مليار دولار، وفي أوربا واليابان والصين وفي العالم كله هناك أرقام لا تقل عن هذا الرقم بل تزيد. فلماذا نقبل نحن - أبناء العالم الإسلامي وأبناء العروبة - أن ننفق في هذا اليوم من أموالنا بالملايين، وخاصة ما كان يُنفَق في معصية الله سبحانه وتعالى؟!

هناك شركة أمريكية لصناعة الأدوية يقال لها: "فايزر" تصنع الدواء المسمى "الفياغرا" والذي يُعطى كمنشّط للمتقدمين في السن. وقد روجت هذه الشركة حملة دعائية للمواد الدوائية وكتبت على هذا الدواء: "إنه يزيد الحب". فأقلعت نسبة الشراء لهذا المنتج الدوائي بنسب عالية جداً. أيعني هذا أن الحب لا يكون قبل الدواء؟! ولماذا يستغلون هذا اليوم بالذات لينشروا المحبة؟! وبالطبع فإن هذا الشيء راجع إلى أن النظام الرأسمالي في العالم هو المستفيد الأكبر من ترويج هذه البضائع وتسويقها.

الجمعية الأمريكية للحياة البرية - وهي جمعية رأسمالية تُعنى بالنشاط السياحي -  أعلنت عن افتتاح الخط الساخن الرومانسي ضمن عشر قرىً سياحية في إحدى الولايات الأمريكية، ويمكن للعاشقَين أن يطلقا شرارة الحب ابتداءً من هذا المواقع، يلتقيان في هذا المكان ويمارسان الحب، والحب في نظرهم هو الجنس والعياذ بالله تعالى! فانظروا كيف يتهيّأ العالم شرقاً وغرباً في هذا اليوم للفساد الخُلُقي والاجتماعي.

والعالم الغربي لم يرتدع بعد من مرض الإيدز والأمراض الخطيرة نتيجة الشذوذ والعلاقات المحرّمة وغير الشرعية، علماً أن هناك إحصائيات تُثْبِت أنه في بعض الدول تحدث في كل ساعة عشرات الحالات من الإصابات بالإيدز، ومع ذلك فهم لا يرتدعون ولا يعودون عن غيّهم وضلالهم.

فما علاقة المجتمع الإسلامي بهذه الثقافة المستوردة الفاسدة؟! هذا ما أردنا أن ننبّه إليه أحبابنا وإخواننا، أن نكون في مثل هذا اليوم الذي يحتفل فيه الشاذون في العالم بأشياء لا ترضي الله سبحانه وتعالى، أن نكون على وعي بأنّ ديننا لا يحرّم الحب، وهو ليس ضدّه، لكن أن نستخدم هذا الحب في الطريق الصحيحة، وألا يكون له مثل هذه الظواهر غير المُقْنِعَة.

^ الفرق بين الحب في ظل الإسلام والحب في ظل غيره:

في المجتمع الغربي الآن حالات من الطلاق غريبة جداً، من أبرز ما قرأت عن هذه الحالات أن زوجين في مقتبل العمر، الزوج في الثامنة والعشرين من عمره، والزوجة في الحادية والعشرين، هذان الزوجان طُلِّقا، عندما وقفا أمام القاضي سأل القاضي الزوج: "لماذا تريد أن تطلقها؟" قال: "لا أستطيع أن أحتمل صوت تنفّسها". فقال القاضي للزوجة: "وأنتِ لماذا تريدين الطلاق منه؟" قالت: "لأنه اتّبع عادة سيئة". قال: "وما هي هذه العادة؟" قالت: "إنه إذا خرج من الحمّام لا يعيد غطاءه كما كان". ما هذا الميثاق الغليظ؟! ربنا سبحانه وتعالى وصف عقد الزواج في القرآن الكريم بأنه ميثاق غليظ وذلك في قوله:[]...وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا[] سورة النساء (21). وهذا الميثاق لا ينبغي أن يُفكَّ لأتفه الأسباب، نحن نرى في أوربة وأمريكة حالاتٍ عديدة من الطلاق في اللحظة الواحدة.

بينما في ديننا وشرعنا وثقافتنا فالمرأة مكرّمة وعزيزة في بيت زوجها، وهي مُصانة ولها مكانتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا بذلك المثلَ الأعلى في علاقته مع أزواجه، وخاصة السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها؛ حيث كان يذكُرها ويُعلي شأنها ومقامها حتى بعد مماتها، فكان إذا نحر يرسل الذبائح التي ينحرها إلى صديقات خديجة إكراماً لها رضي الله عنها، وهو الذي قال فيها: "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء". فتح الباري.

الحب في الله والبغض في الله هو أصل العلاقة فيما بين المسلمين، فلْنتحاببْ في الله ولنتباغض فيه، ولنبتعد عن مثل هذه المظاهر التي يقع بها بعض أبنائنا وبناتنا ممن شردوا في الطريق وتاهوا عن الحق، فلا ننظر إليهم بازدراء أو احتقار، ولْننظر إليهم برحمة ومودة وشفقة لعلهم يعودون إلى رشدهم وصوابهم، ويستخدمون المال الذي ينفقونه في هذا اليوم فيما ينفعهم وينفع حياتهم العلمية، والثقافية، والاجتماعية والسلوكية...

^ دعاء:

اللهم إنا نسألك حبَّك، وحبَّ من يحبك، وحب عمل صالح يقرّبنا إليك، واجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأزواجنا، ومن الماء البارد على الظمأ. اللهم شَفِّعْ حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم فينا، وعطِّف قلبه الشريف علينا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ: لتَتَّبِعُنَّ طريقة.

 التعليقات: 5

 مرات القراءة: 4298

 تاريخ النشر: 11/02/2010

2010-02-21

محمد

مشكور مشكور مشكور وربي يفتح عليك كمان وكمان ، كلمات رائعة وواضحة وضوح الشمس ، هذا المفهوم الذي غاب عنا معنى الحب وكيفية الحب ولمن تحب وفي سبيل من تحب ، ربي ينور قلبك .

 
2010-02-14

علا صبَّاغ

جزاك الله خيراً.. كلمات رائعة.. والأهم هو نشر الوعي بين الشباب.. لتعزيز ثقافة رفض القيم البالية من الغرب.. وذلك لا يتم إلا عن طريق معرفة أصل الحقيقة لهذه القصص التافهة.. فهل يرضى المسلمون هذا النوع من التقليد الأعمى؟ وأحب أن أكرر الدعاء: اللهم إنا نسألك حبَّك، وحبَّ من يحبك، وحب عمل صالح يقرّبنا إليك، واجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأزواجنا، ومن الماء البارد على الظمأ. اللهم شَفِّعْ حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم فينا، وعطِّف قلبه الشريف علينا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 
2010-02-14

حنان

سؤال : الحب السامي هو حب الله و رسوله كما تفضلتم ، فكيف يتذوق المؤمن هذا الحب ؟ وهل يتعارض حب الأشخاص مع حب الله تعالى و رسوله ؟

 
2010-02-12

محمد فوزي

عندما نقرأ معاني الحب و أنواعه في الإسلام بهذا التميز نعلم أن جفاء بعض المتدينين ليس من جوهر الدين إنما هو اجتهادات شخصية يلجأ إليها بعض أولئك الناس .. فالدين كله أدب و رقة و جمال ولا يصح إغفال هذا الجانب .. كل الشكر لهذا الموقع و للشيخ جزاه الله خيراً على هذا الوضوح في البيان .

 
2010-02-11

رزان سلوم

عندما يكون مبتدأ الحديث عن الحب تأتي الأخبار تترا ، فحال المحبين مميّز ؛ لأن أشواقهم تُعرب عن أفعال المدح و الثناء ، و مؤكدات ودهم تصف ما استقر في الضمير ... و كيف أعبّر عن حالة *** ضميرك مني بها أعرف ؟!! فالحب يجلو القلب و يلطف الذهن و يهذب اللسان و يرقق الطباع ، و الإسلام خير مهذب للنفوس و خير حاضن للقلوب.. يقول الإمام ابن حزم في طوق الحمامة: "الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا يقصد إفتاء ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: "هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود". اللهم نسألك حبك و حب من يحبك و حب عمل صالح يقربنا إلى حبك ..

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1348

: - عدد زوار اليوم

7398127

: - عدد الزوار الكلي
[ 73 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan