::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

من نفحات العشر الأواخر ...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

أيام العشر الأواخر من شهر رمضان ، هي أيام البر والوفاء ، والخوف والرجاء ، وأيام العتق من النار ، والفوز برضا الله الغفار ، فيا سعادة من تعرض لنفحاتها ، ويا حسرة من أضاعها ، وفرط في الأيام الباقية من هذا الشهر العظيم

رمضان ولى مسـرعاً                    للصائمـين مودعـاً

عاد الكريـم لربـه                         فاسكب عليه الأدمعا

كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الأيام بأعمال لا يقوم بها في بقية الشهور ، يحيي من الليل أكثره ، ويوقظ أهله ، ويجد في العبادة ويجتهد ، ويشد المئزر ، وبين العشاءين يغتسل ويتطهر ، لأن الليالي العشر الأخير من رمضان فيها ليلة مباركة أنزل فيها القرآن ، هي خير من ألف شهر ، ولذلك سميت بليلة القدر ، تعظيماً لشأنها وتبيانًا لجليل قدرها .

ولما كانت هذه الليلة بهذه المنزلة والمكانة ، استحب فيها التطيب والتزين ظاهراً وباطناً .

أما الظاهر فبالغسل والطيب واللباس ، وأما الباطن فبالتوبة والإنابة ؛ لأنه لا يصلح لمناجاة ملك الملوك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه .

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى           تقلب عريانا وإن كان كاسياً

وقد اختص الله تعالى كلَّ أمة من الأمم بِميِّزةٍ ، وميزة هذه الأمة ليلةُ القدر ، التي هي منة عظمى ونعمة كبرى ، أنعم الله بها علينا ، لنتدارك فيها من العمل ما قصرت عنه أعمارنا.

يقول الإمام مالك ـ رحمه الله ـ بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أعمال الناس قبله ، فكأنه تقاصر أعمارَ أمته ، ألا يبلغوا من العمل ما بلغه غيرهم بطول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر ، وألف شهر تعدل ثلاثة وثمانين سنة ونيفاً ، صح عن رسول الله أنه قال فيها (من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وقيامها إنما هو إحياؤها بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار وقراءة القرآن .

وأحب الأعمال فيها الدعاء ، كما يقول سفيان الثوري رحمه الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد في ليالي رمضان ، ويقرأ قراءةً مرتلةً ، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ ، وبذلك يجمع بين الصلاة والدعاء ،والتفكر والخشوع والبكاء .

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأَيت إِنْ وافقتُ ليلةَ القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).

والعَفوُّ من أسماء الله تعالى ، ومعناه المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارهم عنهم.

وكان من دعائه ومناجاته عليه الصلاة والسلام (( أعوذ برضاك من سخطك ، وعفوِكَ من عقوبتك ))

والدعاء وسيلة النجاة ، وسُلَّمٌ الوصول ، ومطلب العارفين ، ومطيَّة الصالحين ، ومفزَع المظلومين ، وملاذ المستضعفين ... به تُستَجْلَب النِّعم ، وبمثله تستدفع النقم ، وهو سلاح الأنبياء في أصعب المواقف ، استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فجاءه النصر ، واستخدمه أيوب عليه السلام بعد ما نزل به أنواع البلاء فاستجاب الله وكشف ما به من ضُرّ ((وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر...)) [الأنبياء/83-84]

جعله الله تعالى عبادةً وقربى ، وأمر عباده بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة وزلفى ، لأنَّ فيه إظهارَ الافتقار لله تعالى ، والتبرؤَ من الحول والقوة ، كما أن فيه معنى الثناءِ على الله ، واعترافِ العبدِ بجود وكرم مولاه، فإليه تُرفع الشكوى ، وهو منتهى كل نجوى، قال تعالى : ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)) [البقرة/186]

وإن من أهم أسباب الإجابة أن يُسبَقَ الدعاء بأدبِ الباطنِ المتمثلِ بالتوبة والإنابة ، ورد المظالم والإقبال على الله تعالى بهمَّة علية ، كما أنه من أهم ما يُسألُ الله تعالى في الليالي المباركة وفي ليلة القدر على وجه الخصوص أن يرفع الله عن هذه الأمة ما أصابها من غمة البلاء وتسلط الأعداء ، وأن يكرمها الله بالغيث بعد القحط، وبالرخاء بعد الجدب، وبالفرج بعد الكرب .

                                                  محمد خير الطرشان

attarshan@risalaty.net

 

 

ملاحظة : تم نشر هذا الموضوع في جريدة تشرين السورية بتاريخ 24/رمضان / 1429هـ انقر على الرابط التالي:

http://www.tishreen.info/_enter.asp?FileName=296060577200809250509111

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4443

 تاريخ النشر: 25/09/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

Query Error
MySQL Error : Query Error
Error Number: 145 Table './risalnet_vcount1/vietcounter_usersonline' is marked as crashed and should be repaired
Date: Tue, April 16, 2024 21:43:24
IP: 18.217.67.225
Browser: claudebot
Script: /article1.php?tq=1382&re=460&tn=478&br=1385&tr=1382&rt=1382&try=6&rf=470&tt=1380&rt=1382&rf=470&tm=1382&ft=
Referer:
PHP Version : 5.5.38
OS: Linux
Server: LiteSpeed
Server Name: www.risalaty.com
Contact Admin: info@risalaty.net